مغادرة الوافدين وانخفاض معدل المواليد يعيد ترتيب مدخلات "الرؤية المستقبلية"

"كورونا" يتسبب في تراجع عدد سكان السلطنة ويُؤثر على "سيناريوهات 2040"

...
...
...
...
...

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

فرضت جائحة كورونا تحديات غير مسبوقة على جميع الدول، ومنها السلطنة، وغرق العالم في دوامة من الإغلاقات والتراجعات الحادة في المؤشرات، وفي السلطنة تأثرت مختلف القطاعات والمؤشرات، غير أنَّ التناقص الواضح في عدد سكان السلطنة خلال الأشهر القليلة الماضية والمرشح للمزيد خلال الأسابيع المقبلة- حسب التوقعات- كان أحد أبرز التداعيات التي خلفتها تلك الأزمة، ورغم أنه تناقص بسبب مغادرة أعداد من العمالة الوافدة، إلا أنَّ خططا مستقبلية سيتحتم إعادة هيكلتها للتناسب مع الوضع الراهن الجديد.

نسبة الوافدين تتراجع لأول مرة منذ أكثر من 8 سنوات إلى 40.5%

وتظهر الإحصاءات أن عدد سكان السلطنة- حتى كتابة هذا التقرير- هو 4 ملايين و573 ألفا و335 نسمة، ولأول مرة منذ أكثر من 8 سنوات تتراجع نسبة الوافدين إلى العدد الكلي للسكان إلى 40.5% فقط من الإجمالي، ويبلغ حاليًا عدد الوافدين 1.853 مليون وافد مقابل 2.72 مليون مواطن. وهذه النسبة سيحدد توجهها المستقبلي العديد من العوامل؛ منها: فتح حركة الطيران، واستقرار الوضع الوبائي لكورونا، وأسعار النفط، ومدى إمكانية الاستفادة من الوضع الراهن في إحكام السيطرة على التجارة المستترة. كثيرة إذن العوامل التي إما أن تزيد التراجع أو أن تصعد به مجددا لتعاود النسبة الارتفاع إلى 46%، والتي كانت قائمة قبل أشهر قليلة.

سيناريوهات السكان 2020.jpg
 

وأعداد السكان في أي دولة من العوامل المهمة في احتساب كل ما يتعلق بحركة المجتمع والاقتصاد بل ومعدل النمو. ونظراً لأهمية العنصر البشري في مسار المستقبل، فقد وضعت دراسة- منشورة عام 2016 مع بدء الخطة الخمسية الحالية- 3 سيناريوهات لسكان السلطنة بحلول العام الجاري 2020، و3 سيناريوهات لسكان السلطنة بحلول 2040، لكن كورونا خلط الأوراق وأوصل عدد السكان إلى أقل من أي سيناريو متوقع وضع لاحتساب عدد السكان.

والسيناريو الثالث من هذه الدراسة يفترض أن نسبة الوافدين وصلت لما تستهدفه الحكومة منذ سنوات طويلة وهو 33% من إجمالي السكان، ومع افتراض نسبة خصوبة منخفضة بلغ عنده 4.67 مليون نسمة، أي أعلى من العدد الحالي بحوالي 100 ألف نسمة.

واعتمد حساب سيناريوهات النمو السكاني على تحليل البيانات الديموجرافية التاريخية وتطبيق نماذج النمو السكاني وفقاً للتركيب العمري لسكان السلطنة ومعدلات الخصوبة السائدة ومؤشرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الفترة المُقبلة، وهذا ما يسمى بالزيادة الطبيعية. لكن عاملا آخر مهما في العديد من الدول وهو نسبة الوافدين من السكان، ولذلك قدرت الدراسة أعداد السكان وفقًا لافتراضية بقاء نسبة الوافدين من إجمالي السكان عند مستواها في 2016؛ وهي 44.5%، أو تبني سياسة لخفض هذه النسبة تدريجياً لتصل إلى 33% بحلول عام 2040.

الساعة السكانية 3- يوليو.jpg
 

الدراسة التي أجريت قبل 5 سنوات استهدفت تقدير سيناريوهات الاحتياجات التنموية المترتبة على النمو السكاني حتى 2040، ووفقاً لتقدير السيناريو الثالث الخاص بنسبة نمو منخفضة بناء على تقدير عدد مواليد أقل في كل أسرة عمانية وما يترتب عليها في مجالات الناتج المحلي الإجمالي وما يتعلق بنصيب الفرد منه، وكذلك تقدير المستجدين في سوق العمل، إلى جانب الاحتياجات في الإسكان والمرافق، والصحة، والتعليم، وهذه العناصر كلها سيكون من صالح المواطن استمرار الانخفاض في عدد السكان لأنه وبحسبة بسيطة فإنَّ تقسيم الناتج المحلي على عدد أقل من السكان سيعني نصيباً أكبر لكل مواطن من هذا الناتج، وأن فرص العمل ستكون متاحة لعدد أكبر من السكان ونصيب أكبر في التعليم والصحة والكهرباء وغيرها.

وكما إن التراجع في عدد السكان له بالتأكيد جانب إيجابي خاصة وأنه يأتي محققاً لأهداف متعددة، غير أن المشاريع التنموية التي يتحقق عبرها الناتج المحلي الإجمالي تحتاج إلى أيدٍ عاملة كافية، علاوة على أن حجم السوق أصبح من العوامل المهمة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، هذا فيما إذا استمر التراجع في أعداد المواليد للمواطنين. وحتى فيما يخص تراجع أعداد الوافدين فله آثار سلبية، خاصة دور العمالة المطلوبة في مجالات العمل اليدوي، والمؤقت، وبعض الأشغال ذات الطبيعة الشاقة أو التي لا تتناسب مع طموحات الشباب العماني، ويمكن تقدير العمالة الوافدة في هذه الأعمال التي يطلق عليها البعض "متدنية" بنحو 45% من أعداد العاملين الوافدين، وفقا لمقياس المؤهل الدراسي للعاملين في القطاع الخاص.

ويتعين دراسة التأثير السريع وقصير ومتوسط المدى لغياب الوافدين عن عدد من المجالات منها إيجارات العقارات، خاصة إذا كانت نسبة المغادرين الكبيرة من مستأجري المساكن بشكل مستقل، وليس السكن الجماعي الخاص بالعمال، كذلك فإن حجم السوق والقوة الشرائية والاستهلاك ستتأثر، ما يفرض وضعه في عين الاعتبار عند التخطيط في أي نشاط اقتصادي مستقبلا.

وفي ظل تراجع عدد سكان السلطنة، فإنَّ المتغيرات على الأرض تشير إلى ضرورة وضع سيناريوهات سكانية جديدة، تختص بالخطة الخمسية الأولى في الرؤية المستقبلية "عمان 2040" والتي سيبدأ تنفيذها خلال أشهر قليلة.

تعليق عبر الفيس بوك