ماذا يشغل العالم اليوم؟‎

 

أنيسة الهوتية

سُؤال يُراودني، ولكن قبل أن أسأله لنفسي ونبحث عن الجواب، يجب أن أعرِّف ما هو العالم بالضبط حتى نصل للجواب الأدق والأصح.

ولانختلف أن العالم ليس شيئًا، بل أشياء كثيرة متداخلة ومتشعبة، ككرة الصوف الكبيرة المتكوِّنة من الخيوط متعددة الألوان، وللحصول على الجواب الذي أنشده، يجب أن أدخل في مهمة مستحيلة مثل توم كروز، إلا أنَّني في مهمتي سأسعى لأخذ جواب عن سؤالي، ولن أنقذ العالم لأكون بطلة مثله!

الخيط الأول، العالم هو الكوكب الأزرق، أو الكرة الزرقاء بكل ما تتكون منه: القشرة الأرضية، البحار والمحيطات، الهواء وطبقات الغلاف الغازي الممتدة إلى الفضاء الخارجي، إذن العالم هو حيث تتواجد حياة! ولكن: هل الحياة تتواجد فقط على الكرة الأرضية؟ آآه، سؤال آخر نضعه ضمن جدول الأسئلة ونرجع إلى خيطنا الأول! الكرة الأرضية بكل مكوناتها الثلاثة لغلافها الذي يتواجد عليها حياة ليست مخلوقات تفكر وتخطط ويشغل بالها شيء أو تسعى لحماية معيشتها وحياتها، فهي كلها مخلوقة قبل خلق الإنسان وستبقى إلى نهاية العالم!

وهنا.. أضاء مصباح توماس أديسون، وأمسكنا بالخيط الثاني وقسَّمنا العالم بين مستدام ومؤقت، والمؤقت هو من لا يعيش طويلاً، ومن لا يعيش طويلاً يكون مشغولاً باله على حياته القصيرة التي يريد أن يقضيها مرتاحاً أولاً وسعيداً ثانياً؛ لأن الوقت بالنسبة له عاملٌ مهم، فهو لا يملك منه الكثير. وبدأنا هنا أنا ونفسي وعقلي بتقسيم المخلوقات من حيث أعمارها الافتراضية المتوسطة، وقررنا البدء من الأقل إلى الأكثر، وأول مخلوق في جدولنا كان ذُبابة النوار، التي تُولد وتموت خلال 60 دقيقة!! هنا توقف عقلي عن التفكير تماماً وأصبح "مصتكاً" بالـ60 دقيقةَ تلك!! "إيش راحت تسوي في الدقيقة، ويش فايدتها للطبيعة؟"، ومع البحث الطويل وجدنا معلومة أنها تعيش فوق الثلاث سنوات وهي حوراء في الماء! أي أنها مخلوقة ذات مراحل و"سباتها أكثر من نباتها".

وبعد تلك التجربة المرهقة ذهنيًّا، قررنا حذف المخلوقات المتحولة من قائمة العالم المنشغل الذي نبحث له وعنه إجابة، وأمسكنا بالخيط الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس، وهلمَّ جرًّا حتى وصلنا بعد أعوام عديدة من فكَ الخيوط تلك إلى زمننا الحالي "زمن الكورونا"، وأصبح المخلوق الوحيد الباقي على القائمة هو الإنسان، وحصلنا على جواب السؤال وهو: "كورونا تشغل العالم اليوم".

ورأيتني أضحك على نفسي؛ فالجواب كان بسيطاً جدًا، وما كان يحتاج إلى كل ذلك البحث والعصف الذهني، ولو وجهت السؤال إلى طفل في الروضة لكان سيرد عليَّ مباشرة أن كورونا تشغل العالم اليوم. وصدمة الإجابة ذكرتني ببعض البشر، الذين يحملون موضوعا واضحا وصريحا ثم "يلفون ويدورون" به، ومشوار الميل "يخلوه" ألف ميل! ويرهقون أنفسهم من أمرٍ يكاد أن يكونَ تافهاً، وحزنت على نفسي لأني لا أريد أن أكون منهم!

ولكن، أوقفني عقلي المتفلسف قائلاً: جواب سؤالك كان من الممكن أن يكون غير كورونا لو أنك وقفت في زمنٍ آخر، فلكل زمانٍ أمر يشغله لا يشغل زمن غيره. والطرق المختصرة دائماً موجودة ولكن البعض يحب أن يمشي في المسار الأطول وهو يعلم أنه لن يأخذه إلى موقع مختلف، لكنه سيرى منظراً مختلفاً ويمشي لمسافة أطول، والمشي رياضة وصحة للبدن، ولربما سيكسب من هذا المشي شيئاً جديداً جميلاً يأخذه معه إلى وجهته، فقط تأكد بأن ما كسبته سيضيف لك ولا ينتقص منك شيئاً.

وكما أنَّ المشي صحة للبدن، فالبحث والقراءة والفكر والتفكر صحة للذهن والعقل.

فمتع عقلك بالتجوال الفكري، فإن لعقلك عليك حقًّا يجب أن تؤديه بأمانة.

والاختصار بتكرار أحياناً ممل.