ترجمة- رنا عبدالحكيم
يُقدم المفكر الاقتصادي راجورام راجان في كتابه "الركيزة الثالثة.. كيف تتخلى الأسواق والحكومات عن المجتمعات" رؤية عميقة الأثر تناقش التجاهل الذي تتعرض له المُجتمعات في المعادلة الاقتصادية، التي تقوم على 3 ركائز رئيسة: الأسواق، والحكومات، والمُجتمعات.
ويعد الكاتب أحد أبرز المفكرين الاقتصاديين في العصر الحالي، كما إن كتابه بمثابة تحليل رائع وبعيد المدى لرد الفعل الشعبي الحالي ضد العولمة. وراجورام راجان، أستاذ بجامعة شيكاغو، وكبير خبراء الاقتصاد بصندوق النقد الدولي سابقًا، وهو رئيس البنك المركزي الهندي، وصاحب وجهة نظر لا مثيل لها بشأن العواقب الاجتماعية والاقتصادية للعولمة وتأثيرها النهائي على السياسات.
ويقدم "الركيزة الثالثة" إطارًا للصورة الكبيرة لفهم كيفية تفاعل القوى الثلاث: الدولة والأسواق والمجتمعات، ولماذا تبدأ الأمور في الانهيار؟ وكيف يمكننا أن نعود إلى موقع أكثر أمنا واستقرارا؟
ويكتب راجان في مؤلَّفه: "نمر بأوقات عصيبة، فإذا فقد النَّاس ثقتهم في قدرتهم على التنافس في الأسواق، وإذا استمرت مجتمعاتهم في التراجع، وإذا شعروا أنَّ النخبة خصصت كل الفرص لنفسها، فإنَّ الاستياء الشعبي سيتطور إلى مرحلة الغضب".
وتناقش الفصول الأولى من الكتاب كيف تتوسع الحكومات وتنمو التجارة في كثير من الأحيان كرد فعل لبعضها البعض، كما هو الحال عندما انتصر الملوك في العصور القديمة واستحوذوا على الأراضي من خلال الحرب، ومن ثم خلقوا أسواقًا تجارية أكثر تكاملاً. وغالبًا تتدافع القوى التجارية الصاعدة ضد الدولة، كما حدث في الثورة المجيدة في بريطانيا عام 1688، عندما اجتمع تجار الحضر والنبلاء الريفيون لإسقاط الملك الكاثوليكي جيمس الثاني".
وفي موضع آخر بالكتاب، يقترح المؤلف تعديل القواعد لإضفاء اللامركزية على السلطة ومساعدة المجتمعات على الاختلاط الطبقي، مثلاً من خلال منح مزايا ضريبية للآباء الأغنياء إذا أرسلوا أطفالهم إلى المدارس في الأحياء الفقيرة. وتُحافظ اقتراحات أخرى بالكتاب على انحياز الأسواق، إلى الانفتاح على الاستثمار العالمي وجذبه، بدلاً من تدفق موجهات الهجرة إلى العالم المُتقدم.
ويرى راجان أن الاقتصاديين غالبًا ما يعتقدون أن مهمتهم تنحصر في دراسة العلاقة بين الأسواق والدولة، ويتجاهلون قضايا اجتماعية شديدة الأهمية. ويرى أنَّ هذا ليس مجرد قصر نظر وحسب، بل إنه تفكير ينطوي على مخاطر؛ فجميع الاقتصادات تقوم في الواقع على عوامل اقتصادية اجتماعية، وكل الأسواق مدمجة في شبكة من العلاقات الإنسانية والقيم والمعايير. ويستشهد الكاتب بأحداث وقعت خلال السنوات الماضية؛ حيث انتزعت تحولات المرحلة التكنولوجية، السوق خارج تلك الشبكات القديمة، ما تسبب في ردة فعل عنيفة، والتي نسميها الآن بالشعبوية. وفي نهاية المطاف، يتم الوصول إلى توازن جديد، لكن يُمكن أن يكون قبيحًا وفوضويًا، خاصة إذا تمَّ تنفيذه على نحو خاطئ.
ويشير راجان إلى أنَّ العالم الآن يرتكب هذا الخطأ، فبينما تتوسع الأسواق، تتقدم الدولة معها، ومن ثمَّ تتركز القوة الاقتصادية والسياسية في المدن المركزية المزدهرة وتترك باقي المجتمع "يتحلل" بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ مجازية وحرفية.
وبدلاً من ذلك، يقدم راجان طريقة لإعادة التفكير في العلاقة بين السوق والمجتمع المدني، مطالباً بالعودة إلى تعزيز وتمكين المجتمعات المحلية، باعتبار ذلك ترياقاً لعلاج تزايد اليأس والاضطراب.
ويرى بعض النقاد أنَّ راجان ليس مفكرا محافظًا، لذا من المُؤكد أنَّ حجته النهائية ستكون استفزازية بالتأكيد؛ حيث يعتقد أنَّ عملية صنع القرار يجب أن تنتقل إلى القاعدة الشعبية لتفادي ذبول الديمقراطية.