مهارة الحوار مع الذات

 

د. عبد الحميد الكيتاني

 

 

بعد رحلة عناء طويلة من الجهد في الإعداد البدني وطول انتظار لقدوم موسم البطولات، تبقى مسألة الحسم هي في كيفية شحذ الهمم والإعداد النفسي والذهني وهو يحتاج إلى جدول زمني طوال فترة الموسم. مهارة الحوار مع الذات هي مهارة نملكها جميعًا ولكن بنسب مختلفة وله أنواعه وفروعه!! لكنني هنا أركز على أمثلة عملية من الممكن الاستعانة بها من قبل الرياضي.

هذه المهارة كغيرها من المهارات يُمكن أن تنمى وتطور. من المهم هنا ذكر أن من يلجأ لمُمارسة هذه المهارات أثناء البطولات فقط هو نهج خاطئ فالمهارات النفسية هذه تنضج مع الوقت وبالتالي فهي تتطلب تقييمًا وممارسة طوال فترة الموسم الرياضي كي تصل لمستوى النضج المطلوب. مهارة الحوار مع النفس (الذات) لا تقتصر فقط على الرياضيين، فمعظمنا أحياناً يلجا لهذه المهارة، سواء بوعي أو بغير وعي كامل، لغرض تشجيع الذات بشكل إيجابي قبل الشروع في أيِّ تحد من تحديات الحياة اليومية. لكنها تبدو أكثر وضوحاً وبروزاً عند ممارسي الرياضة، فقد رأينا بعضهم يؤديها بصوت عالٍ أحيانًا (مثال لاعبي ألعاب القوى).

ففي ألعاب القوى، تمعن معي تلك النظرات التي نشاهدها عند معظم العدائيين وهم في أهبة الاستعداد لبداية السباق. نظرات الثقة تلك لا تخلو عادة من حقيقة أن هناك حوارا ما يدور بين اللاعب ونفسه لتهيئتها للحظة الحسم والتي ستبدأ بعد ثوانٍ. وكثيرا ما نشاهد لاعبي هذه المسابقات يخصصون وقتًا ليس بقليل في التحضير النفسي.

وتنصب معظم هذه التحضيرات في مهارة الحوار مع النفس (الذات)، فترى أحدهم يحفز نفسه بالقول "هيا، يمكنك وثب تلك المسافة الطويلة التي قفزتها قبل أيام"، وترى الآخر يحاور نفسه ويقول" سوف أقوس ظهري بمرونة فوق ذلك الحاجز اليوم"، وثالثاً يقول لنفسه " لم آت إلى هنا لنزهة، بل لتحقيق رقم شخصي جديد وهذا ما سوف أركز عليه الآن". والمُلاحظ في هذه المهارة هو أنَّ الرياضي عادة ما يكون دقيقاً جداً في اختيار الكلمات لمخاطبة النفس، وهذه الكلمات عادة تتركز في النقاط الأكثر أهمية لديه، ففي المثال الأول نرى أن اللاعب يخاطب نفسه في إعادة تخيل وثبة سابقة ناجحة، في حين أن القول الثاني هو مخاطبة النفس على معالجة نقطة ضعفه وهي التقوس المرن أثناء الوثب العالي، وهو أسلوب رائع وممتاز بصفة أن اللاعب قد أدرك المشكلة ويحاول تفاديها من خلال مخاطبة نفسه.

المثال الثالث والأخير يوحي بأن هذا اللاعب يملك فعلاً التحضير الذهني وبقي التناسق البدني والذي يتطلب كامل التركيز الآن. هذه المهارات بلا شك ترفع الروح المعنوية للاعب قبل الشروع في تأدية رياضته، وتدفعه للتركيز في منافسة نفسه لا الخصوم الموجودين معه في أرض المسابقة! هذه المهارات تلقى كل التأييد في البحوث العلمية التي أثبتت وجود العلاقة المرتبطة بها مع الأداء الرياضي.

 

تعليق عبر الفيس بوك