في مقابلة مع "جارديان" تزامنًا مع انتقال رئاسة الاتحاد الأوروبي إلى برلين

المستشارة الألمانية: نواجه "ثالوثا فتاكا" من الأزمات.. ومخاوف "الحمائية" تتصاعد

ترجمة - رنا عبدالحكيم

أجرتْ صحيفة "ذا جارديان" البريطانية -وخمس صحف أوروبية أخرى- أمس، مقابلة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؛ تزامنًا مع انتقال الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا، والمقرر بعد غدٍ الأربعاء، الأول من يوليو 2020م؛ وتطرقت المقابلة إلى حديثٍ مُوسَّع عن مستوى استجابة أوروبا الاقتصادية لوباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وموقفها من مفاوضات "البريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، إلى جانب استعراض العديد من التحديات السياسية العالمية جرَّاء تشابك التداخلات بين اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين.

 

<< تتسلم ألمانيا رئاسة المجلس الأوروبي في ظل أزمة غير مسبوقة، ومع تنامي الضغوط، في رأيكم كيف ترون فرص ألمانيا لحسم العديد من الملفات؟

- كانت لي رئاسة أولى للمجلس في العام 2007 كمستشارة، وخلال تلك الفترة تم رفض المعاهدة الدستورية الأوروبية في فرنسا وهولندا، وكلفنا أنفسنا بمهمة صياغة معاهدة جديدة، ونجحنا في ذلك. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية، واضطراب اليورو وقضية اللاجئين؛ لذا فالأوقات الصعبة ليست جديدة، وقد ثبت مرارا وتكرارا أن أوروبا ليست مقاومة للأزمات بما فيه الكفاية بعد. ففي أزمة اليورو، افتقرنا للأدوات اللازمة للاستجابة المناسبة، كما أظهرت تحركات اللاجئين في العام 2015 أوجه القصور في نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي.

واليوم، نُواجِه جائحة تفشي فيروس "كوفيد 19"، وهي تحدّ ذو أبعاد غير مسبوقة. لقد ضَربنا جميعاً بشكل عشوائي. فمن ناحية، مزقنا بعيداً عن فترة التطور الاقتصادي الإيجابي في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، فقد تزامنت مع الظاهرتين المدمرتين الكبيرتين في عصرنا: تغير المناخ والثورة الرقمية، التي تغيِّر حياتنا واقتصاداتنا بغض النظر عن الفيروس، وأنا أركز بشدة على كل هذا.

فبعد الأزمة المالية 2008، كانت التعددية هي النظام الأساسي، كان ذلك عندما بدأت مجموعة العشرين الاجتماع على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات، وقدَّمت الدول ردًّا موحدًا للغاية. ليس هذا هو الحال اليوم. في هذه الأيام، علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لمنع انزلاق أنفسنا إلى الحمائية. إذا كانت أوروبا تريد الاستماع إليها، فعليها أن تكون قدوة حسنة. أنا أعتمد على ذلك رغم أنَّني لا أتوهم إلى أي مدى ستكون المفاوضات صعبة.

 

<< في إطار هذه الصورة الكليَّة للأزمات، هل بقاء الاتحاد الأوروبي بات على المحك؟

- بدلاً من طرح السؤال الوجودي الذي طرح كثيرًا، يجب أن نستمر في العمل اليومي؛ فمن مصلحة جميع الدول الأعضاء الحفاظ على سوق داخلية أوروبية قوية، والوقوف مُتحدين على المسرح العالمي. وفي مثل هذا الوضع غير العادي، أعتمد على الدول الأعضاء التي لديها اهتمام كبير بالأشياء التي توحِّدنا.

 

<< كان اقتراحك لإطلاق صندوق إنعاش تنازلًا كبيرًا لدول جنوب أوروبا.. ما هي جهود الإصلاح التي تتوقعونها في المقابل؟

- لا أجد من المفيد التحدُّث عن دول الشمال والدول الجنوبية وأوروبا الشرقية؛ فهذا هو رؤية الأشياء بالأبيض والأسود.. أتوقع أن يضع كل مِنَّا دائمًا أنفسنا في مكان الشخص الآخر، وأن يفكر في المشاكل من وجهة نظر الآخر.

ولكن يمكنني أن أقول إنَّ صندوق الإنعاش لا يستطيع حلَّ جميع مشاكل أوروبا، ومع ذلك فعدم وجوده سيجعل جميع مشاكلنا أسوأ. يمكن للصحة الاقتصادية في أوروبا أن تؤثر على أشياء كثيرة. يمكن أن تصبح معدلات البطالة المرتفعة للغاية في بلد ما قابلة للانفجار سياسيًّا؛ وبالتالي تزيد من التهديد للديمقراطية. ولكي تعيش أوروبا، يحتاج اقتصادها إلى البقاء.

كما أننا إذا أردنا تغيير الجوانب الأساسية للطريقة التي تُدار بها ميزانية الاتحاد الأوروبي، أو على سبيل المثال، منحها الحق في زيادة الضرائب، فسنضطر لتعديل المعاهدات. وذلك من شأنه أن يغير التوازن الثابت بين الكفاءة والرقابة. أنا متأكدة أن هذا ستتم مناقشته في السنوات المقبلة، ولكن يجب أن يتم بحذر. وعلى أية حال في الوضع الحالي، لا يمكننا الانتظار حتى يتم تعديل المعاهدات، علينا أن نستجيب بسرعة للوباء.

 

<< ألمانيا تَلِج مُستويات ديون تُمثل بالنسبة لها مُنعَطفاً، ماذا حدث لنهج "خيوط المحفظة الضيقة"؟

- في أزمة بهذا الحجم، يُتوقع من كل واحد منا أن يفعل ما يتعين القيام به. ما يجب القيام به في هذه الحالة شيء غير عادي. ألمانيا لديها نسبة ديون منخفضة ويمكنها، في هذه الحالة الاستثنائية، تحمل المزيد من الديون. من المهم جدًّا بالنسبة لنا أيضًا إبقاء البرنامج ضمن حدود المعاهدات الأوروبية، ولقد وجدنا طريقة للقيام بذلك.

 

<< تسعى الرئاسة الأوروبية لإيجاد إستراتيجية مشتركة للتعامل مع الصين.. هل هذا لا يزال واقعيًا؟

- بسبب الوباء، لا يمكننا عقد القمة مع الصين في سبتمبر كما هو مخطط لها. لكننا نعتزم إجراءها لاحقًا. فللقمة هدف وهو تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين. نتشارك مصالح مشتركة، مثل التعاون في العمل المناخي. ولقد كنا نتفاوض على اتفاقية استثمار لبعض الوقت لكننا لا نمضي قدمًا في ذلك. كما يجب أن نناقش سياساتنا التنموية في إفريقيا، حيث تتبع الصين مسارًا مختلفًا في بعض المجالات. وفي الوقت نفسه، تجبرنا القمة على تطوير موقف أوروبي مشترك تجاه الصين، والتي ليست مهمة سهلة، حيث يجب أن نطوِّر سياسة تعكس مصالحنا وقيمنا.

 

<< يلوح في الأفق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة في نهاية العام، هل تعتبرون ذلك هزيمة شخصية لجهودكم؟

- لا، من مصلحة بريطانيا وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تحقيق رحيل منظم، لكنَّ هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هذا ما يريده الجانبان. ما يهم ليس رغباتنا بل الحقيقة التي أمامنا فقط، وبعبارة أخرى ما تريده بريطانيا أولاً. ومع رئيس الوزراء بوريس جونسون، تريد الحكومة البريطانية أن تحدد لنفسها العلاقة التي ستقيمها معنا بعد مغادرة البلاد، وسيتعين عليه بعد ذلك أن يتعايش مع العواقب. وإذا كانت بريطانيا لا تريد أن يكون لديها قواعد بشأن البيئة وسوق العمل أو المعايير الاجتماعية التي تقارن مع تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، فإنَّ علاقاتنا ستكون أقل تقاربًا، وهذا يعني أنها لا تريد للمعايير أن تستمر في التطور على طول خطوط متوازية.

 

<< وما تعليقكم على انتقادات الرئيس الأمريكي للسياسة الألمانية، وتهديداته بسحب القوات؟

- نعتقد أن التحالف له قيمة كبيرة لكل أعضائه، نحن في ألمانيا نعلم أنه يتعين علينا إنفاق المزيد على الدفاع؛ لقد حقَّقنا زيادات كبيرة في الإنفاق خلال السنوات الأخيرة، وسنستمر في هذا الطريق لتعزيز قدراتنا العسكرية. أما القوات الأمريكية في ألمانيا فتساعد ليس فقط على حماية ألمانيا والجزء الأوروبي من الناتو، وإنما أيضًا على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا.

تعليق عبر الفيس بوك