يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"نحن بشر هذه الأرض لا نعرف غير البكاء. منذ ساعة الميلاد وحتى ساعة الرحيل".. عبدالرحمن منيف.
للرحيل فلسفات خاصة مفرحة ومؤرقة، رحيل عن رحيل يفرق، ليس كل رحيل هو رحيل بالمعنى المفهوم، الرحيل في ذاكرة الإنسانية هو حالة حزن، ألم، سيكلوجيتها مُتعبة للنفس، تساقط الدموع هو عنوانها، وضجر الحال أبرز تفاصيلها، عندما نرحل فالأذى يسايرنا، يواكبنا، يبارينا، لايمكن وصف حال الرحيل إلا بالذهول والمرارة، لذلك عندما يرحل أحدهم سواء عن الفانية أو عن سكن أو مقر عمل أو إلى بلاد أخرى، قد لا نزيد ردة الفعل عن دمعة تسقط بهدوء لتجرح وجهًا اعتاد اللقاء!
الرحيل في حالاته الاستثنائية ذو وجع وإن لم يبدو ظاهرا لكنه كالعلة الباطنة صعب علاجها، والتواؤم معها والانسجام، لن أحدثك عن رحيل للأفضل فهذا ليس بيت القصيد، قد لايحمل تأثير الأسوأ، نادرة جدا القصائد والأشعار التي قيلت في الرحيل للأفضل، بينما أرتبطت كلمة "رحيل" بالحزن والألم والدموع
عندما نتحدث عن الأذى، ومايتم التعامل عند وقوعه، ماهو الأذى ماهي تعريفاته ماهي مصطلحاته ماهي تطلعاته نحو المتأذي من الأذى، فإن دخلنا إلى التعريفات والمصطلحات وجلها أكاديمية فقد يتغير حال المقال إلى دراسة أو بحث، لكني سأتحدث بالسليقة والمختصر عن الأذى وفلسفة الأذى (المجني/ المجني عليه) الأذى قد يكون ذا وجهين أحدهما فعل والآخر رد الفعل، من الإنصاف أن نحاسب الأول ولانلقي باللوم على الثاني (مع استثناء بحسب ردة الفعل)، تخيل لو كنت جالسا" لوحدك في حالك، لاضرر ولا ضرار، ثم يأتي من يضرك دون سابق سبب أو معرفة (لأي سبب للضرر، سواء اعتداء لفظي أو جسدي) ما الذي تتوقع أن يكون؟ اترك الجواب للمنطق وللقارئ الكريم!
قال تعالى في سورة المزمل الآية 10: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا"، هنا رب العالمين يركز على الصبر والهجر الجميل، الصبر على عواقب ومؤثرات السوء، ثم الهجر الجميل الخالي من العتب والأذى، أحد المفكرين وهو ويليس كارير يقول: "من حق نفسك عليك، أن تنهي أي علاقة تسبب لك الأذى"!
هناك علاقات إنسانية ترتبط بتفاعلات مرتكزة على ذكريات، أمكنة، أو زمن مُعين، تكون كمكان رمش العين، يستحيل نزعها إلا بالموت، بغض النظر عن الفرح والألم في هذه الذكريات، دائما تغرس الذكريات أثراً ما بالنفس إنما الذكريات المُؤلمة هي الأعمق غرسا، هكذا علمنا الماضي، وتداعيات ذكرياته هناك من يربط الرحيل أو حتى الأذى بالعزلة، رحيل إلى عزلة، أو رحيل عن عزلة، أو رحيل يعزل ما تبقى من بقاء تمَّ الرحيل عنه، حتى الأذى ففي الاعتزال أحياناً بعد وحماية عن الأذى ودواعي الأذى، قد يكون أفضل وأسلم حل للسلامة من أذى معين هو العزلة، أتذكر بيت شعر شعبي للشاعر عيد بن مربح رحمه الله
مجلس ما يقدر خطوتك لا تجيه
حط بينك وبينه برزخ الاعتزال..
من بدء الخليقة ارتبط كثير من الرحيل بالأذى، نادرا ما كان الرحيل بلا أذى، رحيل نفس عن الدنيا هو سبب في ألم وحزن لمحبي هذه النفس، ورحيل الإنسان عن مكان ما إما بسبب قلة الرزق أو لأسباب غير مريحة أدت لاتخاذ قرار الرحيل، والاستقالة من وظيفة هي بسبب عدم وجود ما يُشجع على الاستمرار، الأذى مفردة لها ألف تفسير، كل مايؤذي النفس قد يكون سببًا مباشرا للرحيل!
على الإنسان الحصيف أن يتعامل مع الرحيل والأذى بإتزان وإيمان، فمن توفاه الله هذه ساعته لاريب فيها، وقال ابن نباتة السعدي ذات مرة:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد..
ومن نوى رحيل لربما كان في الرحيل خير، نبينا صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة المكرمة إلى يثرب وكانت من أفضل القرارات وحققت خيرا كثيرا، وهناك من يستقيل من وظيفة ليرزقه الله بوظيفة أعلى شأنا، كذلك المنزل وغير ذلك من مقتضيات الرحيل، أحيانا ولأننا لانعلم الغيب يرزقنا الله برحيل (لاحظ أني قلت يرزقنا ولم أقل يبتلينا) يكون هو بداية انفراج وخير، تأكد أنَّ من أجمل الأمور أنك لا تعلم الغيب، لاتضيق نفسك بفراق أحد مهما كان، أهم شيء لايُفارقك التفاؤل والسعي الحثيث للأفضل، وتأكد أن الحياة لاتقف عند شخص واحد أيًا كان هذا الشخص، وليكن إيمانك بقدراتك وتوفيق الله هو الأساس المتكأ عليه.
أعلم أن هناك من الرحيل ما لاتستطيع النفس تحمله، ويصعب تجاوزه، و يكون الأذى مضاعفًا بشكل قد يكون أكثر من قدرة النفس على استيعابه، نحن بشر ولسنا جمادات، أعلم ذلك لكننا أيضًا"نؤمن بالله ونؤمن بالحياة والموت والبعث واليوم الآخر، إحسان الظن بالله مهم جدا متى ما أحسنت الظن بالله ستكون أريحية النفس فيها من المتسع لاستيعاب أي أمر رحيل كان أو أذى ويقول الشاعر جرير:
لو كنت أعلم أنَّ آخر عهدكم
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل..