التغيير قادم.. والوقت لا ينتظر

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

في عالمٍ مُتسارع، واقتصادٍ عالمي يكاد أن ينهار، وأسعار نفط لا ترتفع حتى تهبط، وديون بمليارات الدولارات، وترهل إداري كبير، ومنظومة رقابية تحتاج إلى هيكلة أفضل، ومشكلات مُزمنة في النظام الإداري للدولة، وغيرها الكثير، تدخل السلطنة عالماً من الرمال المتحركة التي تكاد أن تبتلع الإنجازات التي حققتها طوال خمسين سنة، وهو عبء اقتصادي واجتماعي ثقيل لا تتحمّله أي دولة نامية، دون أن تُخل تغييرات جذرية على كافة المستويات التشريعية، والأدائية، والرقابية.

لكن في المقابل لدى السلطنة ورقة رابحة لم تستغلها- حسب رأي الكثيرين- بالشكل المطلوب، فهي تمتلك كثيرا من الثروات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، والتي تستطيع- إن تمَّت إدارتها وتنميتها واستثمارها بشكل أفضل- أن تساعد كثيرا في تعديل الميزان في هذه المعادلة المعقدة، وتقلب المشهد برمّته، فالاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد لم يعد مُمكنا، ولدينا- والحمد لله- الكثير من المقومات التي ستعوّض الإيرادات النفطية على المدى البعيد.

ولعلَّ ما قام به حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وما يقوم به، وما سيقوم به مستقبلاً من إجراءات سريعة وجريئة هي لإيمانه الكامل بأنَّ الزمن لا يتوقف، وأنه لا وقت للتأخير، والتأجيل؛ حيث إنّ الخطى المتسارعة التي لا يكاد الشارع العماني يلاحقها، وسرعة اتخاذ القرار، ومركزيته، وعدم المرور بالإجراءات البيروقراطية المعقدة، هي من سمات القائد الحاسم، والحازم التي تحتاجها المرحلة، وهو ما يثبت حكمة السلطان الراحل- طيّب الله ثراه- حين وضع ثقته، وأمله في جلالة السلطان هيثم- أعانه الله- ليقود عُمان للمستقبل، لذا فعلى الجميع أن يتقبّل مثل هذه القرارات التي قد لا يلمسون نتائجها سريعًا، ولكنهم سيجنون ثمارها على المستوى المتوسط والبعيد، مما سيحسّن من ظروف الحياة الاجتماعية، وتوفير مزيد من آفاق وفرص العمل، والاستثمارات وتحسين مستوى الكفاءة والأداء الإداري، إذا ما قامت كل مؤسسة بدورها المناط بها على أكمل وجه، وإذا ما كانت هناك منظومة رقابية مالية متطورة لا يُمكن اختراقها، مع ضبط الأداء العام، وترشيد الإنفاق، وحوكمة المعاملات الرسمية، ونظام ضرائب مُستقر لا يمكن للشركات الكبرى التهرّب منه، وغير ذلك من أدوات تعين على بناء دولةٍ قويّة تقوم على أساس العدالة الاجتماعية بشكلها الواسع، وهي المبادئ التي قامت عليها في النظام الأساسي للدولة.

(2)

ولا ننسى أن هناك ذراع مهم لاكتمال هذه الأداء، وهو العمل على تفعيل دور الصحافة، وهي ما يُطلق عليها "السلطة الرابعة" والتي يقع على عاتقها مراقبة أي خلل في المنظومة الحكومية، إلى جانب الأدوات الرسمية، فمهمة الصحافة ليس نقل الأخبار، و"برْوزَة" صور المسؤولين، ولكن دورها الرقابي "المغيّب" يجب أن يكون حاضراً وبقوة، فلا مسؤولَ عامًّا بعيدا عن المسؤولية والانتقاد لعمله، دون شخصه، ولا مؤسسة لديها الحصانة من النقد، فالصحافة هي عين الشعب على ما تقوم به المؤسسة الحكومية، التي وُجدت لأجل خدمته، ولذلك هي أداة موثوقة، وهامة لتصحيح المسارات، وإعادة الأمور إلى نصابها إذا ما قامت بدورها دون رقابة "شرَطيَة"، فإن وجد المسؤول الحكومي أن هناك من يراقب أداءه، كان أكثر حرصًا على ما يقوم به، واحترام عقلية المواطن وأمانة الوطن.

(3)

لا شك أنَّ السلطنة تخطو بشكل سريع نحو إعادة هيكلة عامة للدولة، وتنتظر ثمار ما تزرعه، ولعل تغييرا جذريا في رأس الهرم الوزاري بات ضروريًا، وملحًا، فالوجوه الشابة القادرة على قيادة التغيير تنتظر دورها، لتكمل مسيرة طويلة من العمل، والعطاء، مرتكزة على إرث تراكمي من الخبرات التي أعطت وما بخلت على هذا الوطن، وحان لها أن تستريح، ليبدأ الجيل الجديد الذي يُراهن عليه السلطان هيثم المعظم- حفظه الله- بحمل رسالته، وأداء مهامه، فـ"الوقت لا ينتظر" هذا ما يقوله لسان التاريخ، وهذا ما تقوم به السلطنة في عهدها المتجدد، والذي يسير بخطى واثقة نحو الغد المشرق.