الحرب على "كورونا"

مدرين المكتومية

يومًا تلو الآخر، يتضح أننا في ظل جائحة كورونا غير المسبوقة، نعيش حرباً عالمية مع عدو خفي، استطاع في أشهر معدودات أن يحتل العالم ويُصيب ما يزيد عن 9 ملايين إنسان، ويؤدي بحياة ما يقرب من نصف مليون فرد، وهذا العدو الخفي، يستلزم منِّا جميعًا أن نواجهه بشتى الطرق، وأولها التكاتف والتعاضد، والمشاركة في درء مخاطره بكل السبل الممكنة.

ولله الحمد أن منّ الله علينا بقيادة حكيمة فذة، أولت جل اهتمامها وعنايتها لمُعالجة تداعيات هذه الجائحة، فكان تشكيل اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، ومن بعدها اللجنة المُنبثقة لمعالجة التداعيات الاقتصادية. ومنذ بدء تفشي الفيروس في مجتمعنا، واللجنة العليا تواصل جهودها ليل نهار، وفي حالة انعقاد دائم، لكي توفر لنا نحن المُواطنين كل سُبل الحماية والوقاية من ذلك الخطر الفيروسي، ونجحت هذه اللجنة باقتدار أن تُدير الأزمة بأسلوب ينتهج التدرج ويقوم على الموازنة بين حياة الإنسان والاقتصاد، وهي موازنة صعبة، كلفت دولاً أخرى خسائر فادحة في الأرواح والأموال.

ولأننا كأيِّ دولة من دول العالم نعيش تحت وطأة هذا الفيروس، ونعاني كما يُعاني العالم، فإننا أمام تحديات كبرى على الجميع أن يدركها، وأن نعلم جميعًا كيفية وسبل تجاوزها والنصر عليها. وهذه التحديات تكمن في تطبيق الإستراتيجية المثلى للوقاية من هذا المرض ومحاصرته قدر الإمكان، ومثل هذه الإستراتيجية تقوم على 5 قواعد رئيسية، فرض قواعد التباعد الاجتماعي، ارتداء الكمامات، خطة مُتدرجة لإعادة فتح الاقتصاد، ولجنة متخصصة لإدارة الأزمة، وأخيرًا مواصلة إجراء الفحوصات المخبرية للكشف عن الفيروس. وقد حققنا معدلات نجاح كبيرة في 4 من هذه القواعد، فها نحن اليوم نطبق التباعد الاجتماعي، ونرتدي الكمامات، وتنفذ اللجنة العُليا مشكورة خطة متدرجة لإعادة فتح الاقتصاد، وهي لجنة متخصصة في إدارة الأزمة وأثبتت نجاحها بلا شك. لكننا لا زلنا بعيدين للغاية عن تحقيق القاعدة الخامسة، وهي مواصلة إجراء الفحوصات المخبرية للكشف عن الفيروس، على الرغم من أنَّ الإحصاءات اليومية تشير إلى إجراء نحو 2000 فحص يومياً في المتوسط، في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية التي نواجهها. في حين أن دولاً أخرى تجري 30 ألف فحص يومياً للكشف عن حالات كورونا، وتواصل جهود الفحص، حتى إنه يتم فحص الشخص الواحد أكثر من مرة شهريًا، وذلك لضمان عدم تسلل الفيروس وانتهاز أي فرصة لكي ينتشر بين المجتمع، وفي المقابل نستطيع القيام بذلك بل وبأكثر من ذلك الرقم بكثير.

ومن هنا يجب التوسع في خطة إجراء الفحوصات واختبارات الفيروس، على أكبر عدد من الأفراد، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، والتكلفة الكبيرة التي تتطلبها مثل هذه الخطة، فإنني أرى ضرورة أن نتشارك جميعًا في هذه الخطة، ولا يجب أن تتحمل الجهات المعنية بمفردها تكلفة تلك الاختبارات، فكلنا نعلم أنَّ الصندوق المخصص لمواجهة جاحئة كورونا أنفق مبالغ كبيرة خلال الشهور الماضية ضمن خططه لمجابهة الجائحة، حتى إن مؤسسات القطاع الخاص ربما لم يعد لديها القدرة على الإسهام بصورة أكبر في دعم هذا الصندوق، وبات الآن هذا الواجب حتمي على كل فرد في المجتمع، مواطن ومقيم، موظف في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، صاحب عمل خاص أو حتى متقاعد. واقترح هنا أن يتم إلزام كل مواطن ومُقيم بالتبرع بمبلغ شهري مُعين، مثلاً يتبرع الموظف الحكومي بنحو 10 ريالات، ويتبرع العامل في القطاع الخاص بـ5 ريالات، وأن يتبرع المتقاعد بنحو 5 ريالات أيضاً، مع عدم إلزام فئات الضمان الاجتماعي والأسر المعسرة بمثل هذا التبرع. وإذا افترضنا أنَّ عدد الموظفين والعاملين في القطاعين يتجاوز 450 ألفاً، نصفهم تقريبًا في القطاع الحكومي، وبذلك نضمن جمع تبرعات تزيد على 7 ملايين ريال شهرياً، هذا إضافة إلى الراغبين في التبرع بملبغ أكبر من ذلك، فلهم الخير والثواب، وكذلك أصحاب الأعمال، وأيضاً جزء من الصدقات والتبرعات الأخرى التي يتبرع بها الناس في الظروف العادية. إضافة إلى توسيع نطاق الفحوصات، من خلال فتح نوافذ في المجمعات التجارية وبعض المواقع الخدمية، لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من الأشخاص لإجراء الفحص. ونؤكد أن التلاحم وتضافر الجهود في مثل هذه الظروف هما طوق النجاة والمخرج من هذه الأزمة. ويمكن أيضًا فرض رسوم بسيطة على بعض الخدمات تحت مسمى "رسم الرعاية الصحية"، بهدف زيادة الموارد المخصصة إلى القطاع الصحي.

ولعل من بين المقترحات التي يمكن أن نطرحها الإسراع في فتح الطيران من أجل إتاحة الفرصة للعمالة الوافدة الراغبة في مُغادرة السلطنة لكي تعود لأوطانها، وما أنسب هذه الفرصة لكي يتم تصحيح أوضاع العمالة السائبة والهاربة، وهم كثر وعددهم بالآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف.

إنَّ آمال تجاوز هذه الأزمة عريضة، إذ يُمكننا أن نتخطاها إذا ما تضافرت الجهود.