كتاب جديد للفيلسوف سلافوي جيجيك

"ذعر الوباء".. "كورونا" يهدد بسيادة "الرأسمالية البربرية الجديدة" في العالم

◄ الأزمة تجبرنا على إعادة اختراع الشيوعية.. والعالم بحاجة لتغييرات جذرية

◄ "كورونا" يكشف فاجعة أن البشرية تحتاج كارثة كي تعيد التفكير في واقعها

ترجمة - رنا عبدالحكيم

أثارَ وباء الفيروس التاجي الجديد، الذي تمَّ الإعلان عنه رسميًّا في مارس من هذا العام، موجة هائلة من ردود الفعل: لم تكن مؤسسات السلطة ونظام الرعاية الصحية العامة مستهدفة فقط بتعليقات وتحليلات "واقع اجتماعي جديد"، ولكن أيضًا أصوات متنافسة فردية للفلاسفة، علماء الاجتماع، المنظرين في الثقافة وعلماء النفس.

وفي عالم الوباء "الجديد" و"المجهول"، ركز العديد من الفلاسفة على النقد حول إساءة استخدام السلطة والسلطات، والذي أعقبه تقييد حريات المواطنين.

سلافوي جيجيك.jpg
 

ونشر سلافوي جيجيك الفيلسوف السلوفيني المعروف عالميًّا، كتابًا جديدًا حول وباء كورونا بعنوان "الرعب.. جائحة كوفيد 19 تزلزل العالم"؛ حيث يطرح فيه أفكارًا يسارية يحفز فيها أصحاب اليساريين على التفكير في مجتمع بديل خارج حدود الدولة القومية التقليدية، مجتمع تتحقق فيه أشكال التضامن والتعاون العالمي. ويرى جيجيك أنه لكيلا يصبح الوباء كابوسًا عالميًّا و"بداية النهاية"، يحتاج العالم إلى نوع جديد من "الشيوعية". فقد تسبب تفشي الفيروس التاجي في انتشار وباء ضخم من الفيروسات الأيديولوجية التي كانت تعشش في مجتمعاتنا؛ مثل: الأخبار المزيفة، ونظريات المؤامرة، وجنون العظمة، وتفاقم العنصرية.

وفي هذا الكتاب، يفترض جيجيك انتشار فيروس إيديولوجي آخر، لكنه يأمل أن يصيب جميع البشر، ألا وهو فيروس فكر المجتمع البديل.

ويقول سلافوي: "تنتشر التكهنات على نطاق واسع بأن الفيروس التاجي قد يؤدي إلى سقوط الحكم الشيوعي في الصين، على غرار اعتراف ميخائيل جورباتشوف بأن كارثة تشيرنوبيل هي الحدث الذي أدت إلى انهيار الشيوعية السوفييتية. لكن ثمة مفارقة هنا؛ إذ إن الفيروس التاجي سيجبرنا كذلك على إعادة اختراع الشيوعية على أساس الثقة في الناس والعلم".

ووفقاً للفيلسوف، لم يعد بوسع العالم أن يتَّبع نفس المسار القديم؛ إذ إنه بحاجة لتمهيد الطريق لإحداث تغييرات جديدة أكثر عمقًا. ويشير في هذا السياق إلى فريدريك جيمسون (الفيلسوف الأمريكي والمنظر السياسي الماركسي)، الذي تحدث قبل سنوات عديدة إلى صورة المجتمع الطوباوي (ما يشبه المدينة الفاضلة) التي تقدمها أفلام السينما عندما تجسد الكوارث الكونية مثل الكويكبات التي تهدد الحياة على الأرض أو الفيروس الذي يدمر البشرية، ويقول سلافوي: "إن مثل هذا التهديد العالمي يخلق تضامنًا دوليا، وتصبح اختلافاتنا الصغيرة غير ذات أهمية، وعندئذ تعمل البشرية جمعاء على إيجاد حل. ونحن هنا اليوم، في الحياة الواقعية علينا أن نفكر في ذلك. لكن هذه ليست دعوة للاستمتاع بمعاناة واسعة النطاق بشكل سادي بقدر ما أن نحاول الاستفادة منها في دعم قضيتنا، فعلى العكس من ذلك، يتمثل الهدف في التفكير في الحقيقة المؤلمة بأننا بحاجة إلى كارثة حتى نتمكن من إعادة التفكير في السمات الأساسية للمجتمع الذي نعيش فيه".

ويرى جيجيك أنه يجب أن نقبل بأن "وباء الفيروس التاجي نفسه ليس ظاهرة بيولوجية تؤثر على البشر فحسب، ولفهم انتشاره، يجب على المرء أن ينظر في الخيارات الثقافية البشرية... الاقتصاد والتجارة العالمية، الشبكة الهائلة من العلاقات الدولية، والآليات الأيديولوجية للخوف والذعر". ومن وجهة نظر جيجيك، فإنَّ "الصين تعاملت بحزم ونجاح مع تفشي المرض في ووهان. لكن بدون مساحة مفتوحة لردود فعل المواطنين. ومن المستحيل الحفاظ على الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة. وهذا هو التحدي الكبير أمام الصين". ويضيف متسائلا: "ولنا؟ أخشى أن تكون الهمجية متسترة تحت معطف الإنسانية الفضفاض".

وأطروحة الكتاب الأساسية تتمثل في أن الفيروس كشف حدود "النظام العالمي الجديد الرأسمالي الليبرالي"، وهو استنتاجٌ يستخلصه من خلال مقارنة الاستجابات الفعالة للكوارث في البلدان الآسيوية التي توصف بالاستبدادية، مع الفوضى التي شهدها الشمال الإيطالي. ويرى أنَّه عندما يعلق البشر جميعهم في هذا التحدي المشترك، تُصبح الحلول الجماعية بديهية. ويشير إلى التأميم المؤقت للسكك الحديدية في المملكة المتحدة، وتصريحات دونالد ترامب حول إجبار الشركات الخاصة على العمل من أجل أهداف الرعاية الصحية الوطنية.

ويرى الكاتب أن أزمة "كوفيد 19" هي "أزمة ثلاثية": اقتصادية وسياسية ونفسية، وأن "الإحداثيات الأساسية لحياة الملايين اليومية تتفكك". لكن البلدان بعد الإغلاق "يمكن تحويلها وإعادة تشغيلها بطريقة جديدة".

ويقتبس من برونو لاتور -الذي يجادل بأن "كوفيد 19" ما هو إلا تمرين حي لكوارث قد تفرزها أزمة التغير المناخي المقبلة- حين قال: "العنصر الذي غيرت ضراوته الرهيبة الظروف المعيشية لجميع سكان الكوكب ليس الفيروس على الإطلاق، بل هو الإنسان نفسه!".

والرؤية المفعمة بالآمال التي يقدمها جيجيك تتضح "من خلال جهودنا لإنقاذ البشرية من التدمير الذاتي... إننا هكذا نخلق إنسانية جديدة. فقط من خلال هذا التهديد المميت يُمكننا أن نتصور إنسانية جديدة موحدة". والوسيلة التي تساعدنا للقيام بذلك هي الاعتراف بمطالب الشعوب: "فإعادة صياغة مشاعرنا تجاه المصالح الذاتية يدعونا للاستجابة لمحنة الشعوب". كما أن "الوباء يوفر فرصة مواتية للعلم لكي يؤكد مكانته".

ومع ذلك، يختتم جيجيك كتابه بالقول: "إن مسؤولي الدول غارقون في حالة من الذعر، لمعرفتهم اليقينية بأنهم لا يسيطرون على الوضع، وأنه أيضًا نحن -رعاياهم- ندرك ذلك جيدًا. لقد تم الآن الكشف عن عجز السلطة". وأضاف: "النتيجة الأكثر احتمالا للوباء هي أن تسود الرأسمالية البربرية الجديدة".

تعليق عبر الفيس بوك