هل التصحر أولوية وطنية؟

 

علي بن سالم كفيتان

بمناسبة اليوم العالمي لمُكافحة التصحر والجفاف الذي يُصادف السابع عشر من يونيو كل عام تجول في نفوس الكثيرين تساؤلات أبرزها... هل مكافحة التصحر في السلطنة قضية وطنية مُلحة؟ وما هي التدابير والخطط والاستراتيجيات التي وضعت لمُواجهة هذه الظاهرة وأكاد أزعم أنني مطلع على معظم السياسات البيئية بحكم طبيعة عملي في الحقل البيئي لأكثر من عقدين وكنت شاهد عيان على الكثير من الدراسات البيئية التي قامت بها بيوت خبرة عالمية في مجال تحديد استخدامات الأراضي، وتخطيط المناطق المحمية، والمساهمة في إعداد الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة العمانية، والاستراتيجية الوطنية وخطة عمل التنوع الأحيائي، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر ولكن السؤال... هل حدت كل تلك الجهود من تفاقم ظاهرة التصحر؟ وهل رقت هذه الظاهرة لتصبح أولوية وطنية؟

تصنف السلطنة حسب التعريف العالمي للتصحر بأنَّ معظم مناطق البلاد شديدة الجفاف فمساحة 95% منها هي صحراء من الناحية المناخية وتتأثر بالتصحر بدرجة فوق المتوسط فمناخها يتميز بقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة ويعتبر عامل ندرة المياه والرعي الجائر من أشد التحديات التي تُؤدي لتفاقم ظاهرة التصحر في السلطنة.

وقبل الخوض في كل تلك التساؤلات لابد من التوضيح بأنَّ السلطنة قامت بإعداد الخطة الوطنية لمكافحة التصحر في أبريل عام 1993 وتضمنت أكثر من 20 مشروعاً منحت الأولوية في إطار خطة متكاملة لمكافحة التصحر نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر إدخال نظام استخدامات الأراضي في المناطق المهددة بالتصحر، وإدارة المراعي في محافظة ظفار، وتعميم مشاريع التشجير لإيقاف الكثبان الرملية، وإعادة تغذية المخزون المائي الجوفي، وتقييم واكتشاف مصادر جديدة للمياه الجوفية، وتنمية المناطق الصحراوية وتعميرها واستزراع نباتات مقاومة للجفاف، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في مشروعات زيادة الرقعة الخضراء بالسلطنة وغيرها من المشاريع الهادفة... فهل يا ترى رأت تلك المشاريع النور أم ظلت حبيسة أدراج المخططين لمدة تناهز العشرون عاماً؟ وما هي نسبة التقدم المحرز في هذه الاستراتيجية قبل الخوض في وضع استراتيجية جديدة لمكافحة التصحر ابتداء من العام المُقبل؟

وفي الجانب الآخر من المعادلة هل المجتمعات المحلية أصبحت واعية بما يكفي حول هذه الظاهرة التي باتت تهدد بقاءها؟ فعندما نراجع السياسات البيئية نجد أن القاعدة التشريعية البيئة شبه مكتملة وإن كانت بعض القوانين بحاجة للمُراجعة لقدمها وتغير الكثير من المفاهيم خلا العقدين الماضيين وهذا يعتبر عامل قوة لكن هل طبقت تلك التشريعات على الأرض وأصبحت ممارسة يومية؟ نعتقد أنّ الإجابة على هذا السؤال تحتاج لمراجعة دقيقة وفي ذات الوقت يجب على المجتمعات المحلية أن تشارك بصدق فالكثير من المشاريع والمبادرات الحكومية خلال العقود الماضية أجهضها جشع الإنسان وأنانيته المفرطة حتى صار مثار جدل وعلامة استفهام فمن يدعي حب الأرض وولائه لها هو من يقوم باجتثاث مواردها دون رحمة فبعد أن تم خسارة الغطاء النباتي أصبح هناك صراع محموم للاستيلاء على الأراضي وفي ظل هذه الوضعية المعقدة بات علينا إعادة تعريف ماهية تلك المجتمعات خاصة في المناطق المتأثرة بالتصحر ووضع ضوابط جديدة تحافظ على ما هو قائم ويتم تفعيل القوانين المقيدة وعلى رأسها قانون المراعي وإدارة الثروة الحيوانية رقم (8/2003) وفي الختام لابد من الإشارة لأهمية لم شتات المؤسسات البيئية المعنية بمكافحة التصحر تحت مظلة واحدة في ظل العهد المتجدد الذي يقوده جلالة السلطان أيده الله بحيث تكون هناك مؤسسة تمتلك الاختصاصات وتستند لقوة القانون لتفعيل الخطط والاستراتيجيات المركونة على الأرفف منذ عقود وعدم اقتصار الأدوار على حضور المؤتمرات العالمية وتقديم البلاغات الوطنية المحدثة وفق آلية افتراضية والحديث عبر وسائل الإعلام كل عام عند الاحتفال بهذه المناسبة.