الكتاب يتطرق إلى "تكلفة الفوضى" الناجمة عن الخيارات غير الأخلاقية

"ترامب وجنرالاته" يستشرف السيناريو الأسوأ في علاقة الرئيس الأمريكي مع المؤسسة العسكرية

◄ وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس "وظف كل الحيَل" لوأد غرائز ترامب المدمرة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يَسْتَشرف الكاتبُ الأمريكيُّ بيتر بيرجن أسوأ السيناريوهات التي قد تَشهدها علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المؤسسة العسكرية، مشيرا إلى بعض المواقف التي وقعت بين الرئيس وجنرالات الجيش الأمريكي خلال فترة حكمه الأولى التي أوشكت على الانتهاء.

ويحاول بيرجن -وهو أحد الصحفيين المتخصصين في شؤون الأمن القومي الأمريكي- في هذا الكتاب الصادر عام 2019، أن يتناول السياسة الخارجية لترامب بطريقة سردية. ويقدم بيرجن دراسة مستنيرة للغاية، ومكتوبة بوضوح وعناية. ويتضمن الكتاب ما يقرب من 100 مقابلة مع بعض الفاعلين الرئيسيين في سياسة ترامب الخارجية. وإضافة إلى تناول ما هو معروف بالفعل للعامة، يضيف المؤلف بعض الحكايات والتي كانت معروفة فقط خلف الكواليس. وعلى الرغم من أن الكاتب لم يتناول قصة الإقالة الدرامية الأخيرة، إلا أن الكتاب يمثل أفضل تقييم فردي لسياسات ترامب الخارجية حتى الآن، وفقا لآراء النقاد.

والإطار السردي الأساسي في الكتاب يُوضِّح كيف اشتعلت النيران في علاقة الرئيس مع المؤسسة العسكرية، بعدما كان يعمل في بداية عهده جنرالات البحرية المتقاعدين جيمس ماتيس وجون كيلي والجنرال إتش آر ماكماستر. ويتتبَّع بيرجن الطرق التي تحول بها انبهار ترامب بجنرالاته إلى إحباط شديد بسبب حذرهم وتوجهاتهم الأخلاقية. وكان ترامب يرى في البداية أن هؤلاء الرجال "شخصيات كرتونية"، وكان يفضل أن يطلق عليهم وصف "القتلة"، كما لو أنهم تعلموا العسكرية على يد جون رامبو، بطل المغامرات الخيالي.

وكما يقول بيرجن: كان لدى ماتيس وماكماستر الدافع للعمل لدى ترامب بسبب تصوراتهم لفشل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، خاصة في الشرق الأوسط. فقد ظن الجنرالات أن أوباما أهدر التفوق الأمريكي بسبب عدم وضع "خط أحمر" في سوريا، والتخلي عن الأرض لصالح روسيا، إلى جانب الانسحاب من العراق، والخوف الشديد من قتال تنظيم داعش.

ومن المفارقات أنَّ الأمر انتهى بهم إلى خدمة رئيس أراد تدمير كل شيء. وبدلاً من تغيير نهج الولايات المتحدة تجاه تنظيم داعش بشكل جذري، يوضح بيرجن أنَّ إدارة ترامب اتبعت إستراتيجية تقوم على نفس الأساس السابق. ووجد الجنرالات أنفسهم يفعلون كل ما في وسعهم لإنقاذ سياسات أوباما؛ مثل الاتفاق النووي الإيراني، الذي كان ترامب عازمًا على تدميره من البداية.

ويروي بيرجن كيف استخدم ماتيس كل الحيل لإحباط بعض غرائز ترامب الأكثر خطورة، من خلال الرد ببطء على مسألة الخيارات العسكرية أو تجاهله تمامًا في أحيان أخرى. وينقل المؤلف عن ماتيس قوله: "علينا أن نتأكد من أن السبب يتفوق على الاندفاع". وتبدو هذه الحجة مثيرة للأعجاب عند النظر في طبيعة طلبات ترامب، بدءًا من إخبار كبار مسؤولي الأمن القومي بأنَّ سكان سيول -البالغ عددهم 10 ملايين نسمة- عليهم الانتقال إلى مكان آخر، أو التشكيك في التزام الولايات المتحدة تجاه حلف الناتو، فضلا عن التهديد بسحب القوات من كوريا الجنوبية أو أفغانستان.

لكن مثل هذه التصرفات تثير أسئلة مهمة حول مستقبل العلاقات المدنية العسكرية في الولايات المتحدة. ويتساءل المؤلف: هل نريد أن يصبح من المعتاد أن يتجاهل القادة العسكريون طلبات رئيس وزعماء مدنيين آخرين؟ هل سنرى نفس الأسلوب في التعامل مع رؤساء في المستقبل مثل إليزابيث وارن أو نيكي هالي؟ وإذا كانت الأمور على ما يرام، فما طبيعة العلاقة؟ لكن بيرجن لا يدلي بوجهة نظره في ذلك السياق.

علاوة على ذلك، وعند إعادة النظر في هذه الروايات حول كيفية عمل ماتيس ورفقائه على إعادة توجيه قرارات ترامب، يجب على المرء أيضًا أن يستنتج أن لها تأثيرًا سلبيًا على قضية التمكين. وعلينا ألا ننكر حقيقة أن ترامب لن يتغير أبدًا، وطالما كان هؤلاء الجنرالات لا يزالون في الخدمة، يمكن أن نفترض أن "الأمور طبيعية" كما قال ماتيس، حيث كان يُطلق عليه "السكرتير المطمئن". لكن هؤلاء الجنرالات رحلوا الآن. لذا؛ قد يوحي الكتاب لأي قارئ بأن الأوضاع في الولايات المتحدة تتجه نحو الأسوأ، وأن العلاقة مع المؤسسة العسكرية ستختلف عما كانت عليه قبل عقود.

ويوضح بيرجن بعض الطرق التي كان اتخذ فيها ترامب قرارات جيدة للبنتاجون، حيث أمطرها بميزانيات أكبر ومنح القادة الميدانيين مساحة أكبر. ومع ذلك، اتخذت الأمور في الآونة الأخيرة منعطفًا سيئا؛ حيث فاجأ الرئيس القادة العسكريين بالتخلي عن الأكراد في شمال سوريا. والأكثر إثارة للقلق، وبما يشبه هجمات مكارثية على الجيش، روج ترامب وعائلته لمؤامرات تشكك في ولاء ضابط عسكري كبير يخدم في البيت الأبيض. ودافع ترامب عن قضية القوات الخاصة المتهمة بارتكاب جرائم حرب، مما أدى إلى قلب نظام القضاء الجنائي العسكري لحماية بعضهم من العقاب، وتسبب ذلك في الهجوم الحاد على قائد البحرية ريتشارد سبنسر. وكتب سبنسر في صحيفة واشنطن بوست أنه عندما تدخل ترامب في قضية الضابط إدوارد جالاجر المتهم بجرائم حرب في العراق، أظهر الرئيس "القليل من الفهم لمسألة أن تكون في الجيش وتقاتل بطريقة أخلاقية أو أن الجندي تحكمه مجموعة موحدة من القواعد والممارسات الأخلاقية التي لا يجب الميل عنها".

ويرى المؤلف أنه وبناءً على نتائج انتخابات نوفمبر المقبل، قد تواجه القيادة العسكرية -وربما جموع الأمريكيين- وضعًا غير مريح وخطير، فإذا خسر ترامب، فمن المتوقع للغاية أن يلقي باللوم على "الأعداء والخونة" الذين يكرهون أمريكا والذين يحاولون سرقة الرئاسة عبر "انقلاب مدبر" لتدمير الولايات المتحدة. وفي حين أنه قد يبدو بعيد المنال، يدعو الكاتب إلى تبصُّر الظروف التي ينظر فيها ترامب إلى جنرالاته، ويسأل: ماذا سيفعلون؟ ويختتم بيرجن كتابه قائلا إن الخيار واضح: إما أن "يسيروا في الركب أو يستقيلوا".

تعليق عبر الفيس بوك