اقتناص الفرص في زمن "كورونا"

 

 

سالم كشوب

sbkashooop@gmail.com

على الرَّغم مما أحدثه فيروس كورونا من حالة هلع والخوف الذي أصاب مختلف دول العالم؛ حيث تشير إحصائية جامعة جونز هوبنكز بتاريخ 13 يونيو 2020 إلى أنَّ عدد الوفيات بالفيروس بلغ 425926، بينما بلغ عدد الإصابات 7624522.

هذا بخلاف الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تكبَّدها العالم جراء هذا الفيروس الذي عجز المعنيون في القطاع الصحي إلى الان عن إيجاد علاج فعال له، رغم المحاولات العديدة لتجربة العديد من العقاقير والأدوية للقضاء عليه أو التقليل من خطورته، اتَّخذت العديد من الدول خطوات من أجل التعايش والتكيف مع هذا الفيروس، بدلا من حالة الغلق النهائي والهروب من الواقع. وهذا الفيروس حيَّر العالم وجعله مُنغَلِقا على نفسه، وأظهرت بعض القطاعات أنها سيكون لها مستقبل واعد، وستأخذ زمام المبادرة خلال المرحلة المقبلة، بينما اختفت أو أظهرت بعض القطاعات والأنشطة أنها لن تستطيع مواكبة المرحلة المقبلة.

رُبما منهج وسياسة التعايش الآمن الذي انتهجته العديد من الدول يعتبر الحل الوحيد بالتوازي مع تعاون والتزام الجميع بالتقيد بالاشتراطات والضوابط الصحية اللازمة؛ من أجل التكيف مع هذا الواقع بدلا من الانغلاق النهائي، وما يصاحبه من استمرار في الخسائر المالية والاقتصادية والبشرية، وقطع الكثير من مصادر الرزق والدخل؛ سواء للأفراد أو الحكومات سيكون أشبه بالانتحار، وليس المقصود بالتعايش مع هذا الفيروس من وجهة نظرنا المتواضعة الانفتاح الكامل، وإنما المتدرج، ووفق الإمكانيات الصحية المتوفرة، إضافة إلى أهمية الوعي المجتمعي بخطورة الفيروس وتكاملية الأدوار بين الجميع من أفراد وجهات حكومية وخاصة، ففيروس كورونا فيروس مستجد، والتعامل معه أشبه بالتعامل مع عدو غير واضح الملامح، ومن الصعب التنبُّؤ بخطورته أو خطواته المقبلة.

الهدف ليس الحديث عن خطورة أو الإجراءات المتبعة، وإنما الحديث عن الاستفادة الإيجابية لمختلف الفئات من مرض "كوفيد 19"، لاسيما وأن الحياة ما بعد كورونا ليست هي قبل هذا الفيروس؛ وبالتالي فلابد من الجميع -سواء كانوا جهات أو أفرادا- التكيف مع متطلبات وظروف المرحلة المقبلة، وتغيير العقلية والنهج المتبع. هذا يتطلَّب جهودا كبيرة من الجميع بداية من التوعية بمخرجات التعليم العام حول التخصصات التي سيكون لها مستقبل واعد، بدلًا من ترك المجال لتلك المخرجات في اختيار تخصصات قد تكون متشبعة أو فرص العمل بها محددوة للغاية، إضافة لتوجُّه وتوجيه أصحاب الأعمال سواء من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة أو المستثمرين بالقطاعات التي انتعشت جرَّاء هذا الفيروس، وأظهرت أن بها فرصًا كبيرة بالامكان أخذ نصيب من حجم الطلب العالمي عليها مع مواكبة الأنظمة والإجراءات والتشريعات خلال المرحلة المقبلة من أجل التشجيع والتحفيز لنمو وتطوير بعض القطاعات التي قد يكون لها دور في تحقيق الاكتفاء الذاتي أو التصدير الخارجي.

الحال ينطبق كذلك على الأفراد من ناحية نمط المعيشة وأولوية الشراء والإنفاق بعد كورونا؛ فالكثير من المفاهيم والأنماط ستتغير، وأهمية الاستفادة الإيجابية من خلال تحديد الأولويات المهمة والتركيز عليها والاستفادة من التقنيات الحديثة والتسوق الإلكتروني في شراء الكثير من الاحتياجات بدلا من النمط السابق، وأهمية توفير مختلف الجهات للتسهيلات المشجِّعة على الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي؛ سواء من ناحية البنية التحتية القوية وأسعار الخدمة التنافسية؛ بحيث يتم تحفيز وتشجيع المجتمع على الاستفادة من التحول الرقمي؛ وبالتالي المسؤولية مشتركة بين الجميع من أجل الاستفادة الإيجابية من الفرص التي وجدت خلال مرحله فيروس كورونا واقتناصها قبل الغير؛ فالمعركة شرسة للغاية، ولابد من تعلم الدرس، وعدم ترك المجال للغير، ومن ثم إلقاء اللوم على البعض جرَّاء التأخُّر في الاستفادة الإيجابية.

وختامًا.. على الرَّغم من الخسائر والتبعات السلبية التي أوجدها فيروس كورونا، إلا أنَّه أظهر الكثير من التناقضات العجيبة التي كشفت الوجه الحقيقي للكثير من الدول والمؤسسات، وأهمية العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من المجالات، وعدم الاعتماد على الغير، وضرورة تغيير بعض العقليات والسياسات المعرقلة للكثير من المشاريع والخطط، والأفكار التي بحاجه لبيئة مُحفِّزة ومُشجِّعة، وقد يكون لها الأثر الإيجابي في المستقبل القريب.

"التغيير صعب في البداية، وفوضوي في المنتصف، ورائع في النهاية".. روبن شارما.