الكتاب يعري الحكم الاستبدادي ويبرهن على قوة "الوحدة الوطنية"

"كيف تموت الديمقراطيات".. رصد غير مكتمل لعوامل انهيار الأنظمة السياسية

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يقدم كل من ستيفن ليفيتسكي ودانيال زيبلات الأستاذان بجامعة هارفارد إجابة لسؤال "كيف تموت الديمقراطيات" في الكتاب المسمى بنفس الاسم، وذلك بعدما عكفا لأكثر من 20 عامًا على دراسة أسباب انهيار الأنظمة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وتوصلا لنتيجة مفادها أنَّ الديمقراطيات تتعرض لمخاطر قد تؤدي بها إلى الموت، أو الانهيار التام.

المؤلفان.jpg
 

وأثارت رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة سؤالاً لم يتوقع الكثيرون طرحه، وهو: هل الديمقراطية الأمريكية في خطر؟ ويمكن الحصول على الإجابة بـ"نعم" بين طيات هذا الكتاب. وبحسب المؤلفين، فإنَّ الحكم الديمقراطي لم يعد ينتهي بانفجار ثورة أو قيام انقلاب عسكري، ولكنه يضعف تدريجيا وببطء، ويصيب أول ما يصيب المؤسسات المعززة للديمقراطية، مثل القضاء والصحافة، إلى جانب التراجع التدريجي للمعايير السياسية. ورغم أن موت الديمقراطية أمر سلبي، إلا أن هناك العديد من المسارات الكفيلة بالابتعاد عن طريق الاستبداد. وفي وضع الولايات المتحدة، فقد اختار الأمريكيون ترامب في 2016، ليكونوا بذلك قد اجتازوا أولى مراحل موت الديمقراطية.

وبفضل عقود من البحث ودراسة مجموعة واسعة من الأمثلة التاريخية والعالمية، بدءا من ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك في أوروبا والمجر المعاصرة وتركيا وفنزويلا، إلى الجنوب الأمريكي خلال حكم جيم كرو، يبرهن المؤلفان ليفيتسكي وزيبلات على كيفية موت الديمقراطيات، وآليات إنقاذ الديمقراطية الأمريكية.

ويرفض ليفيتسكي وزيبلات التسليم لفكرة أنه "طالما كان النظام الدستوري سليمًا، فإن الديمقراطية ستكون على ما يرام". ويتشكك المؤلفان بشدة في أي اعتقاد ساذج بأن السياسيين المنحرفين يمكن "احتواؤهم" من قبل المؤسسات الديمقراطية. ويوضح الكتاب أن تاريخ الولايات المتحدة مليء بأمثلة للسلوك السياسي الذي لم يخالف النصوص القانونية، لكنه لا يزال يلحق ضررا كارثيا بالديمقراطية.

ويستشهد المؤلفان بالنظام العنصري الذي ساد الجنوب الأمريكي خلال النصف الأول من القرن العشرين، مدعومًا بمجموعة من المعايير التي جعلت حقوق التصويت للأمريكيين من أصول إفريقية- التي تم الحصول عليها بصعوبة- لا معنى لها؛ إذ لم يكن ضروريا تجاوز الدستور للتأكد من حدوث انتهاكات عنصرية، فكل ما تطلبه الأمر انتشار البلطجة الوحشية والترهيب المخزي، بينما جلس المشرعون أعضاء الكونجرس في واشنطن لا يحركون ساكنا.

ويعتقد ليفيتسكي وزيبلات أن المعيارين الأساسيين اللذين يدعمان الديمقراطية هما "التسامح المتبادل" و" المؤسساتية". وهناك العديد من الألفاظ التي قد تصف أسلوب ترامب السياسي، لكن التسامح والمؤسساتية ليسا من بينها؛ إذ يتخذ ترامب رئاسته للولايات المتحدة، منصة لتسوية الحسابات الشخصية مع الآخرين. ويبدو أنه يفتقر تمامًا إلى التحكم في اندفاعاته، وبدون القدرة على التحكم في الاندفاع لن تترسخ الديمقراطية. ويستبعد ليفيتسكي وزيبلات أن يتسبب ترامب في موت الديمقراطية الأمريكية، لكنهما عبرا عن خشيتهما مما سيخلفه وراءه من إرث سيئ. ويصف المؤلفان الديمقراطية الأمريكية بأنها "ديمقراطية بدون حواجز حماية" وتشبه سباق القفز من الهليكوبتر!

ويقدم هذا الكتاب مسحًا سريعًا للسياسة الاستبدادية حول العالم، وهي كلها سياسات متكررة على نفس النمط، ويتجلى ذلك عندما يذكر المؤلفان أن الاستبداد في القرن الحادي والعشرين لم يعد مرتبطا بقيام الحكام بتعليق العمل بالدستور واستبداله بالدبابات في الشوارع، لكن على العكس تماما، ينظمون كل الإجراءات الاستبدادية عبر الدستور، لكنهم يتصرفون كما لو أنه غير موجود.

ويضرب الكتاب مثالا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتبادل رسميًا دور الرئيس ورئيس الوزراء، رغبة في اللعب وفقًا للقواعد الديمقراطية، لكنه في الوقت نفسه يستهزئ بها تماماً. والحال لا تختلف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفيكتور أوربان في المجر، ونيكولاس مادورو في فنزويلا، وناريندرا مودي في الهند، فجميعهم يسخرون من خصومهم السياسيين ويتعاملون معهم باعتبارهم مجرمين، كما يظهرون ازدراءً لمنتقديهم في وسائل الإعلام، ويثيرون نظريات المؤامرة حول تحركات المعارضة، ويشككون دائماً في شرعية أي تصويت يخالفهم. وترامب لا يختلف كثيرا عنهم.

ويلقي الكتاب نظرة على التاريخ لتقديم الأدلة اللازمة للدفاع عن المعايير الديمقراطية عندما تكون تحت التهديد، حيث يرى المؤلفان أنه يمكن الدفاع عن الديمقراطية؛ حيث يمكن للأحزاب أن تتحالف ضد الاستبداد، كما حدث على سبيل المثال في بلجيكا في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما هُزمت الفاشية بسبب استعداد الحزب الكاثوليكي اليميني للانضمام إلى صفوف الليبراليين.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، أبدت الأحزاب الرئيسية- من اليسار واليمين- في ألمانيا استعدادًا للعمل مع بعضها البعض بدلاً من السماح للتطرف بالحصول على موطئ قدم في الحكومة. وفي شيلي هُزم أوجستو بينوشيه في نهاية المطاف في عام 1989 على يد تحالف من المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين، التزموا بشكل مشترك بالحفاظ على الديمقراطية. وبحسب مؤلفا الكتاب فإن بقاء الديمقراطية يفرض على السياسيين الراغبين في تحقيق الاستقرار التركيز على المكاسب طويلة المدى بدلاً من تلك قصيرة الأجل.

وينتقد ليفيتسكي وزيبلات المفكر السياسي الفرنسي العظيم مونتيسكيو الذي عاش في القرن الثامن عشر، لإصراره على أن تصميم منظومة دستورية جيدة تكفي لتقييد "القوة المفرطة"، علاوة على إهماله لأهمية وضع المعايير لضمان عمل النظم السياسية.

ورغم ذلك، يرى منتقدو الكتاب، أن المؤلفين أهملا الشيء الذي لم ينسه مونتسكيو وهو أن "السياسة تصنعها أيضًا الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى المناخية التي تحدث فيها".

ويمكن القول إن هذا الكتاب لم يقدم الكثير حول الظروف التي قد تدفع الشعوب للتعبير عن سخطها والانتقال إلى الديمقراطية، بما في ذلك تأثير التكنولوجيا الرقمية، والطبيعة المتغيرة للعمل، والتهديد بتزايد عدم المساواة وإعادة تشكيل العلاقات بين الجنسين. ويتعامل الكتاب مع التاريخ كدليل مفيد للمستقبل، على الرغم من ندرة البيانات في الكتاب، وسطحية الكثير من الأدلة. كما يرى بعض النقاد أنه لمعرفة كيف تموت الديمقراطيات، يتعين التوقف عن النظر إلى الماضي.

تعليق عبر الفيس بوك