لا وقت للمزايدات على الوطن والولاء

 

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

بَيْن حينٍ وآخر، تخرج بعض الأصوات الانتهازية، التي تعتقد أنَّها أكثر وطنية من غيرها، تحاول أنْ تُزاحم الصفوف، وتجعل من نفسها وصيَّة على الوطن والمواطن، وتعتقد أنَّها فوق الجميع، وأنَّها على معرفةٍ وعلمٍ يتفوَّق على غيرها، وتَنفُخ في أبواقِ الحسِّ الوطني، وكأنَّ الآخرين خارجون عن الصف، وأنهم لا يفقهون شيئا من أبجديات المواطنة، ولا يعلمون عن كواليس الوطن شيئا.

هؤلاء الذين يُنصبِّون أنفسهم أوصياء على الآخرين، نسوُا في الواقع عُنصرا مهمًّا، وهو أن الجميع سواسية على هذه الأرض، يتنفسون نفس الهواء، ويحملون نفس الروح الوطنية التي تحاول أن تدفع هذا الوطن نحو الأمام، وتُسهم في البناء، وتقف خلف قيادة واحدة، على تربة واحدة، شِعَارُها: الولاء للوطن والقائد، ووقودها الانتماء لهذا التراب المقدَّس، دون غيره، ولعل كل الكتابات والأصوات تصبُّ في هذا المَصَب، ولكن كلُّ فرد ينظر إلى القضايا من زاوية مختلفة، ومنظور مغاير، وهي أصواتٌ تؤمن بحرية التعبير والكلام تحت شعار ثابت، هو: "الله.. الوطن.. السُّلطان"، وهي الذوات المقدَّسة التي لا تُمس، والتي لا يُمكن الاقتراب منها، مع اليقين بأنَّ الوطن بحاجة إلى أقلام وأفواه تُشير إلى مواطن الخلل العامة، ولا تجعل من المسؤول الحكومي رجلا منزَّها، أو ذاتاً لا يمكن الاقتراب منها؛ فالمسؤول قبل كل شيء مُوَاطِن مثل غيره يتحمَّل أمانة وظيفة عمومية؛ فالوطن للجميع، وعلى كل مُوَاطن مسؤولية كبرى وهي بناء حس المواطنة الغيور على وطنه في ذاته، وفي نفوس أبنائه، وأنه جزء لا يتجزأ من الحكومة بمفهومها الكبير؛ فلا يحق لأي أحد أن يصادر فكره وقلمه ما دام "في حدود القانون"، وهي عبارة يجب تحديدها بوضوح في التشريع، حتى لا يُساء استخدامها من البعض، فلا مزايدة على الوطنية، والولاء للوطن والقائد.

وما الخطوات والإجراءات التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلا مُؤشر على رياح تغيير ضخمة يمر بها الوطن، وهي خطوات تحتاج إلى دعم، ومساندة من كل أطياف الشعب، وهو أمر لا غبار عليه، ولن يتوانى عنه أحد، ولعل بعض هذه الإجراءات تبدو صعبة، وقاسية في ظاهرها، ولكنها خطوات وإجراءات لا بد منها، في سبيل وضع قطار الوطن في مساره الصحيح، وإنقاذ السفينة من العواصف الهوجاء التي تمر بها؛ لذا على الجميع أن يتقبَّل هذا التغيير، لأنه يؤسس للمستقبل، ويراهن على تضحية الكل من أجل الوطن الواحد، والغد الأفضل.

فتوطيد دعائم البنية الأساسية للدولة الحديثة من تشريعات وقوانين، وهيكلة الجهاز الإداري، ومعالجة الترهل الوظيفي، وإنشاء نظام رقابي مالي قوي، وتقليص العجز في الميزانية، وتسهيل الإجراءات، والاستفادة القصوى من موارد الدولة، وتقليم أظافر مراكز النفوذ التقليدية، وسد ثغرات بعض القوانين، وتفعيل مبدأ المحاسبة الصارمة للمسؤول، ليدرك الجميع أنهم تحت سقف قانونٍ واحد، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وغير ذلك من خطوات حاسمة، ما هي إلا دليل على رغبة صادقة، وعزم أكيد على تغيير جذري في المفاهيم المترسخة لدى كثير من العقليات القديمة، التي آن لها أن تستريح بعد مشوار طويل في بناء هذا الوطن، وآن للجيل الجديد أن يُمسك زمام المبادرة، ويقود مسيرة التغيير الجديدة تحت ظل القيادة الحكيمة.

هذا عهدٌ جديد، أخذ من مبادئ تراثٍ تليد للسلطان الراحل -طيَّب الله ثراه- وهو يضيف عليه من رؤيته، وحكمته، واستقلاليته، عهدٌ -كسابقه- لا يميل إلى التطبيل، والتهريج، والصوت العالي، لكنه يحتاج للدعم والمساندة، والعمل الدؤوب، عهدٌ يعمل بصمت صارم، ويخطو خطوات واسعة وواثقة نحو البناء الجديد للدولة، ويعيد ترتيب الأوراق، في ظروف لا يُحسد عليها، فالمسؤولون جميعا تحت المجهر والتقييم، ورياح التغيير قادمة لا محالة، فالوقت لا ينتظر، وعُمان بحاجة إلى التضحية من الجميع، والعمل بروح رجل واحد، لغد مشرق للأجيال القادمة التي بيدها وحدها مفاتيح المستقبل.