التقاعد في زمن "كورونا"

 

د.سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

 

خلال الفترة الماضية تصدرت أخبار جائحة كورونا (كوفيد 19) المنصات الإعلامية محليًا وعالميًا، وما زال هذا الموضوع حديث النَّاس في كل مكان. وفي هذا الخضمّ صدر مُؤخرًا تعميم من ديوان البلاط السلطاني رقم (2020/5/6) تضمّن إحالة ما لا يقل عن 70% من الموظفين العُمانيين ممن يشغلون وظيفة (مستشار/ خبير/ مدير مختص) إلى التقاعد ممن أكمل في الخدمة (25) سنة فأعلى، وإحالة إلى التقاعد ما لا يقل عن 70% من موظفي كافة الوحدات الحكومية المدنية ممن تجاوزت خدماتهم (30) سنة.

وحقيقة لا يُمكن إنكارها أنّ هذا التعميم يُعد إحدى السياسات الحكومية للتعامل مع مقتضيات المرحلة المقبلة وخاصة معالجة ملف الجهاز الإداري للدولة وفقًا لرؤية عُمان المستقبلية 2040. وبدا ذلك واضحًا من خلال خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- في فبراير 2020 الذي تطرق إلى عدة جوانب من بينها اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة من أجل توفير الأسباب الداعمة لتحقيق الأهداف المستقبلية، و"تبني نظمٍ وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية، واستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب، وتمكينهم من الانخراط في سوق العمل، لضمان استقرارهم ومواكبة تطلعاتهم، استكمالًا لأعمال البناء والتنمية.

ورغم أنّ هذا القرار سيتيح فرصًا وظيفية للباحثين عن عمل وإن كانت برواتب أقلّ عن السابق بحسب التحديث الأخير لجدول رواتب القطاع المدني وفقًا للمؤهلات الدراسية. إلا أنّه واستنادًا إلى التعميم المُشار إليه في بداية المقال سيخرج عدد كبير من الموظفين للتقاعد غير المتوقع وغير المُخطط له، وهنا تكمن المشكلة بالنسبة لفئة غير قليلة من المتقاعدين. خاصّة الفئة التي أكملت (25) عامًا من الخدمة من ذوي المسميات الوظيفية المذكورة أعلاه؛ فكثير منهم لم يختر هذه المسميات؛ وإنما ولأسباب عديدة وجدوا أنفسهم يحملون هذه المسميات وبالتالي شملهم قرار التقاعد وهم في مرحلة مبكرة من حياتهم.

كما أنّه ينبغي النظر في فئات وظيفية محددة كالأطباء والأكاديميين والقضاة وغيرهم بالاستثناء من هذا القرار نظرًا لأنّ إعداد هذه الكوادر يتطلب سنوات طويلة، ومن ثم فإنّ الحاجة لهذه الفئات تقتضي التريث في اتخاذ قرار تقاعد من أكمل (30) عامًا منهم في الخدمة.

ومن ناحية أخرى؛ وفي ظل المتطلبات المعيشية العالية في الوقت الراهن لابد من مراعاة الموظفين الذين أكملوا المدة المقررة للتقاعد لاسيما من أصحاب الدرجات الأقل في السلم الوظيفي. فالظروف الاقتصادية التي مرّت بها السلطنة وما زالت تداعياتها حتى اللحظة كانت سببًا مباشرًا في توقف ترقيات موظفي الخدمة المدنية ومن في حكمهم. وبالتالي حُرمت هذه الشريحة من ترقيات مُستحقة كانت حتمًا ستصنع فارقًا في الراتب الإجمالي للموظف؛ الأمر الذي سيساعد على الحصول على مستحقات تقاعدية جيدة. والنقطة الأخرى الجوهرية والتي تمّ تناولها مرارًا وتكرارًا المطالبات المستمرة بتوحيد صناديق التقاعد الحكوميّة؛ وذلك من أجل تعظيم المردود من جانب، ومن جانب آخر تحقيق العدالة بين الموظفين المتقاعدين من حيث الراتب التقاعدي، ومكافأة نهاية الخدمة؛ إذ إنّ الملاحظ وجود فوارق كبيرة بين المنافع التقاعدية للموظفين بحسب الجهة التي يعمل بها الموظف.

ختامًا.. جزيل الشكر وأوفره لهذه الفئة من الموظفين المُتقاعدين على ما قدموه في المرحلة المنصرمة من عمر نهضة عُمان الحديثة. أتمنى أن تتم مراعاتهم من خلال إيجاد تسوية مناسبة من أجل الحصول على وضع تقاعدي أفضل يحقق لهم ولأسرهم العيش الكريم في المرحلة القادمة من حياتهم.