ترجمة - رنا عبدالحكيم
يُناقش كتابان جديدان قضية الحروب التجارية حول العالم، وكيف تسبَّبت هذه الحروب في تأجيج معارك طبقية بين الأغنياء والفقراء، وهددت السلام العالمي.
ففي الكتاب الأولى، يستعرض كلٌّ من ماثيو سي.كلاين ومايكل بيتيس، في مؤلفهما "الحروب التجارية.. صراع بين الطبقات"، كيفية تسبُّب الصراعات التجارية القائمة في الوقت الراهن بين الحكومات، في دعم مصالح النخب الاقتصادية على حساب فئات العمال.
وعادة ما تُفهم النزاعات التجارية على أنها نزاعات بين البلدان على المصالح، لكن كما يوضح ماثيو سي.كلاين ومايكل بيتيس في هذا الكتاب، فإنها غالبًا ما تكون نتيجة غير متوقعة للخيارات السياسية المحلية لخدمة مصالح الأغنياء على حساب العمال والمتقاعدين البسطاء. ويتتبَّع كلاين وبيتيس أصول الحروب التجارية القائمة الآن، والتي أرجعوها إلى القرارات التي اتخذها السياسيون وقادة الأعمال في الصين وأوروبا والولايات المتحدة على مدى الثلاثين عامًا الماضية.
ففي جميع أنحاء العالم، يزدهر الأغنياء، بينما لم يعد بإمكان العمال شراء ما ينتجونه، أو أنهم فقدوا وظائفهم، أو أُجبروا على تحمل مستويات ضغط عمل أعلى بكثير من قيمة الأجر الذي يحصل عليه. وفي هذا التحدي المثير للتفكير في الآراء السائدة، يقدم المؤلفان رؤية متماسكة تظهر كيف أن الحروب الطبقية تشكل تهديدًا للاقتصاد العالمي والسلام الدولي، لكنهما يضعان ما يمكن القيام به حيال ذلك.
وسي.كلاين خبير اقتصادي لدى موقع "بارون"، وكاتب لدى "ذي إيكونوميست"، و"بلومبيرج"، و"فايننشال تايمز". أما الأكاديمي الإسباني بيتيس، فهو أستاذ الاقتصاد في جامعة بكين، وله عدّة دراسات ومؤلّفات لا سيما في الاقتصاد الصيني.
الكتاب الثاني -الذي يتناول هذه القضية أيضا هو: كتاب "حرب الطبقة الجديدة.. إنقاذ الديمقراطية من النخب الإدارية"، لمؤلفه مايكل ليند. ويرى ليند أنه في كلٍّ من أوروبا وأمريكا الشمالية، حطمت الحركات الشعبوية الأنظمة القائمة ووضعت الحكومات في حالة من الاضطراب، فيما تدعي هذه الأنظمة أن هذه التمردات الشعبية تسعى للإطاحة بالديمقراطية الليبرالية.
غير أن المؤلف يقول إنَّ الحقيقة ليست أقل إثارة للقلق، لكنها أكثر تعقيدًا، موضحا أن الديمقراطيات الغربية تمزقها حرب طبقية جديدة. ويرى الكاتب أنَّ هناك طبقة إدارية تهمين على القرارات، وهي نخبة من بينها أكاديميون تحظى بدخل مرتفع وتسيطر على قرارات الحكومة في الاقتصاد والثقافة. وعلى الجانب الآخر توجد الطبقة العاملة. وتتصادم الطبقتان حول قضايا الهجرة والتجارة والبيئة والقيم الاجتماعية، لكن الطبقة الإدارية لها اليد العليا. ونتيجة لانهيار امتد لمدة نصف قرن في ظل مؤسسات مكنت الطبقة العاملة من الوصول للحكم، فقد تحولت السلطة إلى المؤسسات التي تسيطر على الطبقة العليا، مثل الشركات والفروع التنفيذية والقضائية، والجامعات، ووسائل الإعلام.
ومن وجهة نظر المؤلف، يُمكن أن تنشب الحرب الطبقية بإحدى طرق ثلاثة: انتصار النُّخبة وهو ما يؤدي إلى نشوء نظام طبقي رفيع المستوى، أو تمكين الشعبوية وهو ما لن يسفر عن إصلاحات بناءة، أو التوافق مع الطبقة العاملة ليكون لها قوة حقيقية.
ويجادل ليند بأنَّ الديمقراطيات الغربية يجب أن تدمج أغلبية الطبقة العاملة من جميع الأعراق والعقائد في صنع عملية القرار في السياسة والاقتصاد والثقافة. وهذه التسوية الطبقية فقط هي التي يمكنها تجنب دورة لا تنتهي من الاشتباكات بين الأوليغارشية (حكم الأقلية) والشعبويين وإنقاذ الديمقراطية.
وعكف ليند على تجميع العديد من البيانات- بما في ذلك تقارير الحلقات التاريخية والحقائق الاقتصادية والإحصاءات حول الرأي السياسي الحالي- لبناء تصوره للحرب الطبقية. لكن من الواضح أنه يقف في صف الجماهير المهمشة في مواجهة النخبة الصاعدة. ويقرن ليند العداء تجاه غطرسة الطبقة العالمية ذات التعليم العالي مع التعاطف العميق مع الكرامة المجروحة للمواطنين العاديين، الذين أهملهم الاقتصاد والمجتمع والسياسة التي بنتها هذه النخبة.
ويَضَع ليند في كتابه جملة من الحقائق، لكن نادراً ما يفسر معانيها الاجتماعية أو يحدد الأسباب التي تربطها. كما لا يشرح لماذا انهار نظام تقاسم السلطة في منتصف القرن الماضي، أو لماذا تولى المديرون على وجه الخصوص المسؤولية، وهم أشخاص يديرون الشركات أو المؤسسات الثقافية أو الحكومات، لكنهم لا يملكونها!! ولم يشرح المؤلف في كتابه لماذا تولت النخبة الإدارية السلطة الاقتصادية والثقافية والسياسية في نفس الوقت؟ أو كيف تعزز السلطة من قوتها؟ ولا يشرح لماذا يتبنى رد فعل سياسي ضد هذه التسلسلات الهرمية التي تنطوي على القومية العرقية والعداء للمؤسسات وسيادة القانون، والتي بات لها مؤيدون في كل مكان تقريبًا.