خلال مشاركته في أعمال المنتدى العربي الأول لخبراء المسؤولية الاجتماعية

الطائي: أزمة "كورونا" عكست التلاحم الوطني بين القائد والشعب

أكد المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية أن ما شهدته السلطنة خلال أزمة كورونا من جهود مختلف المؤسسات والأفراد لمواجهة التداعيات، بمثابة ملحمة وطنية ترجمت تضافر كافة الجهود، وقدَّمت تعريفًا عمليًّا للمسؤولية الاجتماعية يستحق أن يُتدارس وتُقرأ تفاصيله.

جاء ذلك خلال مشاركة الطائي في أعمال المنتدى العربي الأول لخبراء المسؤولية الاجتماعية 2020، والذي أقيم مساء الأربعاء عبر تقنية الاتصال المرئي، بمشاركة عربية واسعة وحضور كبير للمهتمين والمختصين بمجال المسؤولية الاجتماعية.

EaKaL2nWAAEWctW.jpg
 

وطرح الطائي خلال المنتدى ورقة عمل بعنوان "المسؤولية الاجتماعية للشركات العُمانية في زمن الأزمات.. كورونا وانهيار أسعار النفط نموذجا"؛ حيث استعرض العديد من الجوانب المرتبطة بقطاع المسؤولية الاجتماعية في ضوء الأزمات الراهنة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

وقال الطائي إنَّ موضوع المسؤولية الاجتماعية موضوع بالغ التعقيد، وذلك لسبب رئيسي وهو عدم الاتفاق حتى الآن على تعريف محدد، يضع الإطار العام للمهام والوظائف والخصائص والأهداف التي تحقق الإفادة الحقيقية المتوخاة من وراء كل هذه المبادرات والجهود المجتمعية الطيبة هنا وهناك. وأوضح أن الإشكال الرئيسي يتمثل في حَصْر مفهوم المسؤولية الاجتماعية في إطار المبدأ الأخلاقي، وليس كمنهجيَّة عمل مُلزِمة للجهة/ الشركة/ المنظمة بمباشرة دورها الحقيقي تجاه المجتمعات الذي تعمل فيها، مشيرا إلى أن الربحية ليست هي المبدأ الأساسي للإنتاج والفائدة، إنما المقصود ما وراء ذلك من عمل هذه الجهات على منفعة الجميع، ومشاركتهم، والمساهمة في حل أو على الأقل إيجاد حلول عملية لمشكلاتهم.

وأضاف الطائي في ورقة العمل أن هذا الإطار النظري للمسؤولية الاجتماعية- الذي تقوم عليه الكثير من الشركات وهي تؤدي أدوارها المجتمعية- أصبح أكثر وُضوحًا مع جائحة كورونا؛ بحيث أصبح مُمكنًا رُؤية بعض الأبعاد التي لم تكن قائمة أو مطرُوحة من قبل.. وهذا في نظري من الإيجابيات التي أوجدتها هذه الأزمة الصحية العالمية، فجزء من طباع الإنسان أنه أحيانا لا يعمل بكفاءة، أو يُبدع ويبتكر، إلا تحت ضغط ظروف معينة، ليكون له مُمكِّن توليد لقدراتٍ لم تكن مسبوقة.

وأكد الطائي أن ما شهدته عُمان خلال أزمة كورونا هو ملحمة وطنية ترجمت تضافر كافة الجهود، وقدَّمت تعريفًا عمليًّا للمسؤولية الاجتماعية يستحق أن يُتدارس وتُقرأ تفاصيله، إذ إنه تعريف عملي أخرج هذا المصطلح من قُمقم الشركات المحصور بداخله إلى فضاء أرحب وأوسع، وبات معه كل مواطن جزءًا أصيلًا من المشهد الكلي، والدافع فيه أو العنوان الرئيسي كان المصلحة العامة والحس الوطني العالي والقيم العمانية المتأصلة الحاثة على التعاون والتعاضد والتكاتف والتكافل والتي رفعت جميعها مؤشر المسؤولية الاجتماعية لأعلى درجة ممكنة.

وبين الطائي أنه مع بداية الأزمة في السلطنة، كان الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وتوجيهاته السديدة على مستوى واقعية الحدث، فوجَّه جلالته وأسدى بإنشاء اللجنة العُليا لمتابعة تداعيات فيروس كورونا، وأوكل لها مُطلق الصلاحيات في إدارة الأزمة، ورفعت كافة الأجهزة المعنية من درجة استعدادها للمرحلة القصوى للتعامل باحترافية مع الوضع الجديد.

وأضاف أنه مع الإعلان عن إطلاق صندوق وزارة الصحة لدعم القطاع الصحي، وتَفضُّل جلالة عاهل البلاد -أبقاه الله- بالتبرُّع بمبلغ 10 ملايين ريال للصندوق المخصص لهذا الغرض، تسابق العُمانيون شركات ومُؤسَّسات ورجال أعمال للمبادرة بمد يد الدعم والمساندة، حتى أصبحنا نتحدث اليوم عن إجمالي مبلغ تم جمعُه للصندوق حوالي 26 مليون ريال عُماني، جُمعت في فترة وجيزة، لم ينظر مقدِّموها للتداعيات أو التأثيرات السلبية الاقتصادية للجائحة ولا انهيار أسعار النفط، والتي كان لها مردو سلبي سواءً على معدلات أرباح أو حتى إنتاجية الشركات والمؤسسات، بل وطالت المواطن العادي ممن فَقَد وظيفته، أو تقلص راتبه أو غيرها من صور تأثره التي تكررت في كل دول العالم بلا استثناء.

وتابع القول: في نفس الفترة، صَدَر التوجيه السامي الثاني من لدن جلالة السلطان بإنشاء صِندوق الأمان الوظيفي، وتم تمويله بعشرة ملايين ريال من لدن جلالته، ليُوفر ضمانات وظيفية وأمانا اجتماعي للعاملين في الشركات والمؤسسات، مِن هؤلاء الذين تأثروا بهذه الأزمة. واستطرد أنه فور الإعلان عن الصندوق، تدافعت الشركات/ المؤسسات ورجال الأعمال للاضطلاع بدورهم المجتمعي الوطني من جديد، بدعم هذا الصندوق بمبالغ يصعُب اليوم تحديدها لتغيُّر إجماليها يوميًّا نتيجة ما يُضخَّ فيه من الفاعلين بقطاع المسؤولية الاجتماعية بالبلاد. ومضى قائلا إن ذلك صاحبه إطلاق غُرفة تجارة وصناعة عُمان -وهي الجهة الرسمية الممثلة للقطاع الخاص العُماني- صندوق الغرفة والقطاع الخاص للمسؤولية المجتمعية، لدعم جُهُود الحكومة في التخفيف من الآثار المترتبة عن انتشار فيروس كورونا المستجد، انطلاقًا من واجب الغرفة وكيانها الذي يمثل الذراع اليُمنى للحكومة في بلادنا. وكان من أبر مميزات هذا الصندوق أنه لا يقتصر على التبرعات النقدية وحسب، وإنما شمل المساهمات العينية والخدمات الاجتماعية كالإعفاء من رسوم الإيجارات مثلا أو تخصيص منشآت فندقية للحجر وهكذا.

وشدد الطائي على أنَّ هذا الزخم في برامج المسؤولية الاجتماعية لا يعني مطلقاً عدم قدرة الحكومات على مُواصلة دورها، أو تخلِّيها عن مسؤولياتها، بل هو انسجام وطني بين قطاعت المجتمع، وضرورةً أساسية لمواصلة عجلة التنمية واستدامة الفعل التنموي، لكسب معركة التحديات والأزمات التي تترك آثارًا سلبية كبيرة على الوضع الاقتصادي والتنموي بشكل عام.

وأكد أن النجاح في كسب معركة المواجهة مع "كورونا" وانهيار أسعار النفط هو نجاح للجميع، ولا يمكن أن يُحسَب للحكومة وحدها، ولا للقطاع الخاص وقطاع الأعمال وحده، وإنما هو مكسب وطني يؤتي أكله خيرًا عميمًا للوطن بأكمله والمجتمع وجميع أفراده.

وفي نهاية الورقة، طرح الطائي مجموعة من التوصيات، تضمنت ضرورة إنشاء مركز موحَّد للمسؤولية الاجتماعية، يتولى مهام التنظيم والتخطيط والإشراف على البرامج والمبادرات وفقا للاحتياجات التنموية والأولويات الوطنية، وإلزام المؤسسات بتضمين المسؤولية الاجتماعية في صلب إستراتيجية الإدارة، وفق أسس منهجية منظمة ومستمرة، وتخصيص نِسَب مُحددة من أرباح الشركات للبرامج المجتمعية لضمان استدامة التمويل في ظل الضغوطات الاقتصادية الطارئة. وشملت التوصيات كذلك تضمين المسؤولية الاجتماعية في شروط منح المناقصات الحكومية للشركات، إلى جانب تجديد الدعوة لتبنّي معايير الجودة في مشروعات المسؤولية الاجتماعية وفي مقدمتها معايير الآيزو 26000. وأوصت ورقة العمل بالاتفاق على آلية ربط بين برامج المسؤولية الاجتماعية ومشاريع القيمة المحلية المضافة لتعظيم العوائد المتحققة ويحقق الاستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك