د.خالد بن علي الخوالدي
Khalid1330@hotmail.com
تفاعُل جميل وُمُثرٍ من قِبَل القراء لمقالي "التغيير سُنة كونية.. والمستقبل أنت من تصنعه"، الصادر بجريدة "الرؤية"، يوم الأربعاء 2/6/2020؛ حيث أصبح أمر التقاعد للذين أكلموا 30 عاما واقعيا، ولا رجعة عنه من قبل الحكومة التي لديها أفكار وتطلعات ورؤى متعددة من تطبيق هذا القرار، وتستهدف منه العديد من الأهداف الإيجابية التي من شأنها إعادة الوضع الطبيعي للجهاز الإداري للدولة، الذي وصف بأنه "مترهل".. وفي هذا المقال، سنطرح أفكارًا إيجابية للاستفادة من الخبرات الطويلة لهؤلاء المتقاعدين الذين يحملون الوفاء لعمان الغالية.
فنحن نُؤمن بقدرات وخبرات هؤلاء المتقاعدين؛ فهم الجيل الذهبي الذي أسس هذه الدولة، وقدموا الغالي والنفيس، وهم كنز ثمين لا يمكن أن نغفله ولا نتجاوزه، ويملكون طاقات كبيرة للعطاء في مختلف الجوانب الحياتية، ولكن كما قلت في مقالي السابق، وبما أنَّ التغيير جعلهم في زاوية لا يرغبون فيها، فعليهم أن لا يستكينوا إلى الحزن والكآبة والبكاء على اللبن المسكوب؛ فالحياة مستمرة، وما خسروه يُمكن أن يُعوَّض في جوانب أخرى إذا ما كانت الإرادة الصادقة موجودة.
ويُمكن لهؤلاء المتقاعدين أن يكونوا دافعًا قويًّا للبلد من خلال الخبرات الطويلة التي يملكونها؛ فالبلد لا يزال يعاني من قضية التجارة المستترة وتسلط الوافد غير المتعلِّم على مكامن العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فأغلب المراكز التجارية الكبيرة يُديرها تُجَّار وافدون ومبالغ مليونية تخرج خارج البلد؛ فحسب حديث سابق لسعادة الدكتور سعيد الكعبي رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك أنَّ مركزا تجاريا دخله من المبيعات 333 مليون ريال عماني في سنة 2014 فقط، مع العلم نسبة المبيعات داخل المراكز التجارية لا تمثل أكثر من 35% وهذا مبلغ كبير جدا وخيالي، وهنا ماذا لو عملت الحكومة على تسهيل إجراءات قيام تكتلات عمانية من هؤلاء المتقاعدين لإدارة جمعيات تعاونية في جميع ربوع عمان الغالية؛ بحيث تقوم الحكومة بدعمهم من خلال الصناديق الموجودة بمبلغ مالي مُسترد بعد مُضى ثلاث سنوات، وإعفائهم من التراخيص البلدية وعقود الإيجار وقيمة السجل التجاري وقيمة شهادة الانتساب من الغرفة... وغيرها من الإجراءات الحكومية التي عليها رسوم لمدة خمس سنوات، مع شروط إلزامية بتوظيف الشباب العماني في هذه الجمعيات، وعدم تدخل الوافد فيها نهائيا، إننا بهذا سوف نقضي رويدا رويدا على التجارة المستترة في هذا المجال، وسنوفر وظائف للشباب، وستدور الأموال داخل البلد، وسنجني العديد من الجوانب الإيجابية.
وهناك العديد من الجوانب التي يُمكن من خلالها توجيه هذه الطاقات والخبرات الطويلة واستغلالها الاستغلال الأمثل بعيدا عن الحكومة؛ من خلال عمل تكتُّلات فيما بينهم لإقامة مشاريع تجارية وزراعية وسمكية، ويستفيدوا منها ماليا، أو من خلال عملهم كمستشارين ومدربين، والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال، أو من خلال رعايتهم ومشاركتهم الإيجابية في دعم الجمعيات الخيرية والمدنية المنتشرة في كل ولايات السلطنة ودعم الأندية الرياضية والفرق الأهلية بخبراتهم... وغيرها من الأعمال التي تُساعدهم على تكريس خبراتهم الطويلة فيها.
وإذا كان عددٌ من المتقاعدين ما يُحب العمل التجاري والخيري والتطوعي، ولا له توجُّه في هذه الجوانب، فعليه من وجهة نظري المتواضعة أنْ لا يركن إلى الدعة والخمول والكسل، بل عليه أن تكون لديه أنشطة وتفاعل في جوانب أخرى كالمحافظة على العبادات وقراءة القرآن والعمرة والحج والتواصل مع الأرحام والجيران والأصدقاء وخلق أجواء روحية تساعده في التقرب إلىالله ، كما عليه تعزيز ارتباطه بأسرته الصغيرة والكبيرة، والاهتمام أكثر بها، وعدم الانزعاج بالتصرفات التي تصدر عنهم، والحديث خاصة لأولئك الذين تعودوا العودة للبيت في نهاية الأسبوع، كما عليهم الالتزام التام بالرياضة والأكل الصحي وخلق أجواء من السعادة لهم.
إننا نلاحظ كيف أن المتقاعدين في الدول المتقدمة يشعرون بالسعادة أكثر بعد التقاعد؛ حيث الحرية والسفر والتعرف على معالم الدول وحضاراتها وثقافاتها، كما نجدهم مؤلفين ومبدعين خاصة في المجالات التي يحبونها، وبعضهم يكتبون السيرة الذاتية لهم وخبراتهم التي اكتسبوها والمعارف والثقافات التي حصلوا عليها، ونحن المسلمين نملُك أكثر وأكثر من السبل التي تجعلنا سعداء، فشدوا الهمة واجعلوا عُمان نصب أعينكم وسنرى إبداعاتكم، فأنتم طاقة لم نضب ولم تشيخ، ودمتم ودامت عُمان بخير.