ما بعد الحالة المدارية وآثارها!

 

عبد الله العليان

لا شك أنَّ الحالات المدارية والمنخفضات والأعاصير، تحدث كثيراً في بعض المدن في بلادنا، ومنها مُحافظة ظفار، وهذه بلاشك تحتاج إلى دراسة وخطط فنية ووقائية، للحد من آثارها السلبية على الطرق والمنازل المحاذية أو القريبة من السواحل والأودية.

وقد تناولت ذلك سابقاً، عن أهمية إعادة تخطيط مدينة صلالة على وجه الخصوص، فيما يتعلق بالطرق، وازدحامها في فصل الخريف، وكذلك مسألة تصريف مياه الأمطار في هذا الموسم، وكذلك عند حدوث المنخفضات والحالات المدارية وغيرها من الحالات المناخية، وقبل عدة عقود كانت هذه الأعاصير والمنخفضات، تأتي بعد كل خمس سنوات أو ست سنوات تقريباً، حسب ما أذكر، لكن منذ فترة نُلاحظ أنها تأتي بعد كل عامين، وفي بعض دول الجزيرة العربية، وخاصة جيراننا في اليمن الشقيق، وهذه التغير في المناخ، يحتاج إلى إعادة تقييم وتخطيط، لمُواجهة أثاره على السكان والطرق، والمباني وغيرها.

ومن آثارها عدم وجود تصريف المياه في مدينة صلالة، وسببت دخول مياه الأمطار إلى بعض الأحياء السكنية في منطقة عوقد السكنية، حدث هذا في الحالة المدارية الأخيرة، وكان بسبب عدم وجود تصريف لهذه الكميات الكبيرة من مياه الأمطار، وفي فصل الخريف من كل عام، وهو الموسم السياحي المعروف في السلطنة في منطقة الخليج والجزيرة العربية، تتجمع المياه في الطرق والمتنزهات، وهذا له تأثيره الصحي والبيئي والحضاري، ولذلك من المهم وجود حلول لموضوع تصريف المياه، وهي قضية تعاني منها مدينة صلالة السياحية في كل عام، وقد أشرت في مقالات سابقة إلى موضوع مستنقعات مياه الأمطار في فصل الخريف، وتحدث بعض زوار صلالة عن ذلك، وأذكر أنَّ أحدهم قال لي عندما التقيته منذ عدة سنوات: لا أكتمك سراً إنني أحب زيارة مدينة صلالة سنوياً، لكن المشكلة في تجمع مياه الأمطار التي تكون عادة مستمرة بشكل دائم، فإذا أردنا أن نتمشى مع العائلة في الشوارع والمتنزهات في ظل هذه الأجواء الجميلة والمناخ الرائع، فيعيقنا عن السير في الطرق، مياه الأمطار المتجمعة في الطرقات، وهذه معضلة للأسف تواجهها المدينة منذ عدة عقود، وبعدها صرت أقلل من الزيارات!

أحد زملاء الدراسة في قاهرة المُعز، قبل عدة سنوات، اتصل بي من أحد الفنادق وقال لي إنه موجود في صلالة، وكان مع أسرته: "أود أن التقي بك" فرحبت بذلك، فتقابلنا في ذلك اليوم في بعض المطاعم في المساء، وكانت جلسة طيبة وحديث الذكريات الماضية قبل عقود مضت، فقال لي حقيقة مستمتعين بأجواء صلالة، مع الجو الجميل المعتدل، لكننا في المساء نحتجز مع الأسرة في الفندق، لأن الطرق عامة، خاصة الأسواق والأماكن العامة، حالت دون التجوال في الفترة المسائية، وهذه هي المشكلة.. فهل يوجد حل لهذه المياه في الشوارع والطرقات العامة؟ فقلت له: من جانبي فقد كتبت عدة مرات عن موضوع تصريف المياه في صلالة، ونأمل من المجلس الأعلى للتخطيط مع الجهات المعنية أن ينظر في هذا الأمر، ومرت ما يقرب من أكثر من عشر سنوات، ولم يحدث شيء في موضوع حل هذه المعضلة، لكن أسعدني منذ عدة أيام بعد جولة معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار على بعض المواقع التي تضررت من الحالة المدارية، بأن وجه "بتشكيل فريق يضم خبراء من الكوادر الوطنية ومُمثلين من المجتمع المحلي، لاقتراح الحلول لتصريف مياه الأمطار في محافظة ظفار".

لا شك أنَّ هذا التوجيه، سيكون له ذلك الاهتمام فالأمر أصبح يسبب مشكلات اجتماعية وخسائر للدولة من انهيار الطرق بين الفترة والأخرى، والأمر أصبح لا يطاق، من الآثار السلبية لمستنقعات الأمطار لموسم الخريف، في ظروف الحالات والمنخفضات المناخية، أيضاً ما نود المراجعة الجدية إليه، إعادة تخطيطه، أن بعض المناطق السكنية، التي خُططت منذ السبعينات من القرن الماضي، أسهمت في دخول مياه السيول إلى بعض البيوت، سواء في مدينة صلالة أو في ولاية سدح، وولاية مرباط، ولذلك من الضروري، إيجاد مخارج لهذه الأمطار والسيول، لنتجنب الأضرار المادية والبشرية، وأتوقع، لو كانت هذه الحالة المدارية إعصاراً ـ مع كثافة هذه الأمطار الأخيرة ـ لكانت آثارها وخيمة على سكان بعض المناطق، وهذه نتيجة من نتائج التخطيط السابق.

وقد كتبت منذ عدة سنوات، وقلت ما نصه: "إن مدينة صلالة تعاني مشكلة تصريف مياه الأمطار، وكان يفترض أن يكون موضوع تصريف المياه مصاحباً لمشروع الصرف الصحي، ولم يكن هناك مشكلة كبيرة في إدماج مشروع تصريف مياه الأمطار، مع مشروع الصرف الصحي، لكن كعادة الكثير من الجهات المالية والإدارية، تأجل الأمور وتتثاقل في اتخاذ القرار السريع، حيث كان يُمكن أن يكون هذا المشروع في ذلك الوقت أقل كلفة لو تم إقامته آنذاك! وهذا ما ينطبق أيضاً على نفس سلبية التخطيط في الطرق، وفي غيرها من المشاريع البعيدة عن النظرة المستقبلية للمدن العمانية عموماً، وطرقها، وكان يمكن لمشروع الصرف الصحي الذي أنجز قبل عدة سنوات، أن يحل هذه المشكلة، ففي موسم الخريف، مع هطول الأمطار الموسمية المعتادة أيضًا تواجه مدينة صلالة سنوياً، وهى مكتظة بالزوار والسائحين من السلطنة وخارجها، بمشكلة تصريف مياه الأمطار، مما جعل المدينة تتحول إلى برك ومستنقعات، ويصعب في بعض الأحيان على الزائر والمُقيم أن يتجول في شوارعها ليتمتع بهذا الجو اللطيف والمناخ المعتدل". إذن ما تحتاجه مدينة صلالة، وبعض الولايات العمانية، التي تعاني من الحالات المدارية، ومن المنخفضات الجوية، أن يتم وضع حلول دائمة، تشّرف السمعة الطيبة للمدن العمانية ونظافتها وتخطيطها كما يقال عنها، وهذا ما نتأمله بإذن الله مع تطبيق الرؤية المستقبلية "عُمان 2040".