"اقتصاد الغضب".. غوص في أسباب فشل الحكومات وإبراز للحلول "البسيطة والإبداعية"

◄ الكتاب يقترح إنشاء صندوق وطني للثروة يوزع الأرباح على الأفراد بالتساوي

◄ على "أمازون" و"جوجل" و"آبل" أن تدفع للمستخدمين مقابل استخدام بياناتهم

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يناقش كتاب "اقتصاد الغضب"، لمؤلفيه مارك بليث وإيريك لونيرجان، أسباب الغضب في الديمقراطيات الغربية وكيفية البدء في عملية الإصلاح، إلى جانب قضايا التضخم الناجم عن حالة الجمود التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" في استعراض للكتاب إنه يتناسب مع الظروف التي يمر بها العالم الآن، إذ يقدم معالجات لمختلف المشكلات. ويسلط الضوء على أداء الشركات الكبرى التي تتغذى بشراهة من مضخة السيولة التي تطلقها البنوك المركزية، في حين أن الشركات الأصغر حجما تتقاتل فقط من أجل البقاء على قيد الحياة.

لقد أشعل الفيروس التاجي جذور الغضب الشعبي بشكل أكثر حدة عن ذي قبل، وهذا الكتاب يمثل عملا نادرا صدر قبل اندلاع جائحة "كوفيد-19"، ما يعزز من اهمية الكتاب باعتباره أكثر صلة بالواقع حتى قبل تفشي الفيروس. ةشارك المؤلفان المشاركان، مارك بليث وإريك لونيرجان، في دراسة الشعبوية لسنوات، إذ إن لونرجان هو مدير صندوق تحوط كلي يكتب عن فلسفة المال، أما بليث فهو باحث في جامعة براون، ومؤلف كتاب "التقشف.. تاريخ فكرة خطيرة" وهو انتقاد لاذع للإجراءات التي تبعت أزمة 2008 والتي يسميها "الفخ الأكبر في تاريخ البشرية".

وينخرط المؤلفان في سلسلة من الحوارات لفهم "ما يبدو للوهلة الأولى أنه تدفق غير مترابط للعاطفة البدائية". فمعظمنا يعتبر أنه من المسلَّم به أننا نعيش في عالم غاضب، كما إن الكتاب يرسم طريقا متفائلا لكيفية الهروب من هذا الغضب.

ومفتاح أطروحة المؤلفين هو التمييز بين الغضب القبلي الذي يستهوي غرائزنا البدائية، والغضب الأخلاقي الذي يحتج على الأخطاء التي ارتكبت في حقنا على أيدي حكومات خبيثة وفاسدة في بعض الأحيان، وكلاهما رد فعل على الفراغ الناجم عن فشل سياسات التكنوقراط.

وبين عامي 1981 و2017، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، بينما زادت نسبة لجوء المحتاجين إلى بنوك الطعام بنسبة 1000%. ويضرب الكتاب مثالا في هذا السياق، حيث في اجتماع حاشد في سندرلاند، معقل مصنع سيارات نيسان في بريطانيا، قال سياسي مؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي، إن الانسحاب من أوروبا سيضر "بإجمالي الناتج المحلي". وصاح أحدهم في وجهه "ناتجك المحلي الإجمالي!". وكما يكتب المؤلفان: "لقد وصل الانفصال بين تجربتنا للعالم والنموذج المستخدم لتفسيره إلى الذروة... لا يمكننا ’دفع‘ هذا النظام إلى الاستقرار".

ويقول بليث ولونيرجان إن التفسيرات الثقافية للغضب الشعبي دائرية؛ فتفسير ارتفاع العنصرية من خلال زيادة أعداد العنصريين صحيح لكنه في نفس الوقت تافه، إذ "إن تأديب الفقراء على عنصريتهم أسهل من فعل أي شيء حيال فقرهم".

ويركز الكتاب على الخيارات الاقتصادية، وعلى وجه التحديد، عدم المساواة، حيث يقدم خارطة طريق للخروج من مستنقع الأزمات. وتتمحور الفكرة الرئيسة للكتاب حول إنشاء صندوق وطني للثروة، معللين ذلك بأنه عندما تكون تكلفة الاقتراض أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي، فإنه يجب على الحكومات إصدار السندات والاستثمار في الأصول المتنوعة، مثلما تفعل صناديق الثروة السيادية. ويجب توزيع المكاسب مع مرور الوقت على الناس كصناديق استثمار يمكن استخدامها في التعليم والصحة.

والفكرة المطروحة هنا بسيطة ومبدعة، ومن الجنون الحسابي رفض فرصة المقرضين الذين يدفعون لنا للاقتراض منهم، كما إن عائدات صندوق الثروة الوطنية ستعيد توزيع الثروة دون رفع الضرائب على الأغنياء، الذين أتقنوا أنظمة التهرب من الضرائب في جميع أنحاء العالم.

ومن شأن هذا الصندوق أن يولّد عوائد جيدة، ففي عام 1998، وضعت السلطة النقدية في هونج كونج 15 مليار دولار في هانج سينج لدعم أسعار الأسهم، وتم الترويج لهذه الخطوة في البداية باعتبارها تدخلا في عمل الأسواق، لكنها نالت إشادات واسعة في نهاية المطاف بعد تحقيق عوائد ضخمة.

وتتضمن الحلول الأخرى دفع مقابل للبيانات الضخمة؛ حيث سيُطلب من شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل أمازون وجوجل وآبل، أن تدفع لنا مقابل استخدام بياناتنا الخاصة. ومرة أخرى، ستكون هذه السياسة أسهل بكثير من تفكيك عمالقة التكنولوجيا وأكثر ربحية بكثير للمواطنين العاديين.

ويختتم الكتاب بالإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت شعورا قاتلا بين الجماهير بأن لا صوت لهم، وأن العمل غير مجدٍ، الأمر الذي تسبب في شل الأنظمة الديمقراطية، ولذا يؤكد المؤلفان أن هناك العديد من الحلول التي يمكن تبنيها، لكنها مخفية عن الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك