ناجي بن جمعة البلوشي
لم يعد الوقت كافيا لانتظار الآتي من أنواع الظروف البعيدة عن الحسبان كالتي حصلت هذا العام من جائحة وبائية، ترتبت عليها خسائر بشرية ومصروفات مالية إضافية على الموزانة العامة للدولة، وخسائر اقتصادية من قلة العوائد المالية المرجوة من الخدمات والاستثمارات المالية الحكومية، نضيف إلى ما سبق من ظروف ما هو موجود اليوم في أرض اللبان من تأثيرات على البنية الأساسية جراء آثار الأنواء المناخية الأخيرة وحالات مدارية مرتقبة موجودة في بحر العرب، نسأل الله تعالى أن يبعدها جميعها عن أرضنا الطبية بأقل الخسائر والأضرار في الحال والمال.
هذا الوقت الذي نعدُّه ثمينا جدا، خاصة بعد أن صدرت الأوامر السامية بتسريع وتيرة التشغيل للعمانيين الباحثين عن عمل في كلِّ اتجاهات التوظيف بين القطاع الحكومي والشركات الحكومية والشركات الخاصة، وإنهاء هذا الملف في أسرع وقت ممكن قبل نهاية العام الجاري؛ مما يعني أنَّ الاستجابة لتلك الأوامر أصبحت واجبة على الجميع، مع تسخير كل الإمكانيات والابتكارات والحلول كيفما أمكن لتنفيذها، كل في مكانه وموقعه وقوة نفوذه، مع مراعاة وجود بعض العوائق من بينها التي ربما سببتها الأوضاع الاقتصادية الراهنة من آثار جائحة الفيروس الوبائي (كوفيد 19)، وما صاحبها من تدهور في أسعار النفط العالمية التي بدأت في التعافي مؤخرا، إلا أن وضع هذا التعافي قليل المنفعة السنوية للسلطنة بسبب عقود البيع الآجلة والفروقات في احتساب سعر البرميل المعتمد لديها في الموازنة العامة للدولة لهذا العام، هذا طبعا لا يعني بأي حال التوقف ألبتة عن تنفيذ ما أصدرته الجهات الحكومية من تعميمات ومنشورات مالية كانت معززة بالأوامر السلطانية السامية المطاعة طوعًا أو كرها، لما في ذلك من توافق دستوري رسمي مع النظام الأساسي للدولة ولما فيه الصالح العام .
ففي هذه الأوامر السامية المعززة لتلك التعميمات والمنشورات، نلاحظ وجود الحكمة السلطانية الهيثمية، والتي عالجت نقاطًا مركزية عديدة تم اتخاذها إذا ما قرأناها من جوانبها الإيجابية البعيدة عن العواطف التي تباكى بها البعض؛ أولها: العدالة الاجتماعية التي يطالب بها الجميع في توزيع الثروة على المواطنين، وتخفيض مصروفات بند الرواتب في الميزانية العامة للدولة بشكل مباشر وغير مباشر، ورفع مستوى الكفاءة الوظيفية في القطاع العام، والوصول إلى النزاهة وظبط الرقابة الإدارية والمالية، والضغط على إدارات الصناديق التقاعدية من أجل العمل الجاد في الاستثمارات والعوائد المالية والحرص والمحافظة عليها، وخلق فرص عمل وظيفية للباحثين عن عمل واحتواؤهم، وإتاحة المجال الوظيفي للعمانيين وإحلالهم محل الوافدين في الشركات الحكومية، ومنح الفرصة للقطاع الخاص للاستفادة من الخبرات والكوادر العمانية المدرَّبة؛ من خلال تشغيل المتقاعدين من الموظفين الحكوميين، وزيادة أعداد الشركات الجديدة لأولئك المديرين المتقاعدين المتمكِّنين من إدارة أعمالهم، والتفرغ لها، وهي التي ستساعد في استيعاب العُمانيين مستقبلا، وزيادة أعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة التي سيُنشئها المتقاعدون، ورفع مستوى الاستثمار في القطاع الخاص التخصصي من قبل العمانيين ذوي الخبرات العملية في القطاع الحكومي والمحالين إلى التقاعد، ومعادلة الأرقام في الشركات المحلية المملوكة للعمانيين مع الشركات التي سيمتلكها المستثمرون الخاضعون لقانون الاستثمار الأجنبي الجديد، والقضاء على التجارة المستترة بشكل غير مباشر، ورفع مستوى معيشة الفرد المتقاعد من خلال عمله في القطاع الخاص، أو استثماراته الخاصة، أو التفرغ لإدارة أمواله وممتلكاته الخاصة، مع حصوله على العائد التقاعدي الشهري، وزيادة التنمية العمرانية في ولايات ومحافظات السلطنة من آثار استثمارات المتقاعدين العقارية والتنموية، كما يوجد هناك غيرها الكثير من مثل هذه الإيجابيات التي يمكن أن يبحث عنها كل مهتم.
لذلك؛ هذا كله سيكون موجودًا فعلا ليحرِّك عجلة الاقتصاد والحياة الاجتماعية العمانية إذا ما زدنا عليه من مُسبِّبات الثبات والأريحية والبقاء والتطور؛ حيث إننا هنا وضعنا العنوان مشيرا إلى كيان حكومي نعول عليه كل أسباب ذلك الثبات والأريحية والبقاء والتطور؛ من خلال فتح قنوات مكتملة فيه تعنى بجاهزيته ليكون ملاذا لكل من هو مُستعد للتشغيل، أو من هو محتاج للتدريب، أو من هو راغب في أن يتأهل قبل أن يلتحق بكل هذه المجالات الوظيفية أو الاستثمارية، إن كان باحثا عن عمل أو راغبا في ريادة الأعمال ومجابهة السوق.
فدَرَوان عجلة هذا الكيان بثلاث خيارات خيرٌ من دورانها بخيار الحصر والتوظيف الذي عادة ما يُكلِّف الوقت والمال لدى كل من القطاع الحكومي والشركات الحكومية والمستثمرين في القطاع الخاص. فعند دراستنا للشركات القائمة في السلطنة سنجدها مختلفة التكوين متشابهة المعلومات؛ فالحاصلة على الدرجة الممتازة كالحاصلة على الدرجة الرابعة لا يُمكنها تدريب وتأهيل الموارد البشرية أو انتقائها؛ فما ستقوم به الشركات الحكومية مثلا في قرار إحلال الوافدين هي أنها سترفع رواتب المطلوبين للتوظيف؛ مما يجعلهم يتركون الشركات الأولى التي قامت بتدريبهم أو تأهيلهم أو انتقائهم، ثم مثلما فعلت الشركات الحكومية ستقوم به التي تليها قوَّة ومالًا من الشركات، لتكون سلسلة من الحركة اللا مُنقطعة، نعم إنها ستقوم بطلب من يحتاجون إلى قليل من التأهيل مع رفع رواتبهم عمَّا هم عليه، لتجد الشركات المحسوبة على التعمين نفسها في مأزق لا تقدر على تخطيه في كيفية البدء من بداية المشوار: هل تبدأ في الانتقاء أو التشغيل أو الوصول للنسبة الملزمة أو تدريب وتشغيل وتأهيل الجدد من الموظفين.
بينما إذا كان هناك وجود لمثل هذه الخيارات الثلاثة، فإنها ستمكن الباحثين عن عمل من اختيار شركاتهم بما لديهم من كفاءة ومعرفة، كما أنها ستمكن الشركات من اختيار موظفيها بوفرة ومنافسة حرة وطبيعية ومرنة، دون تكاليف مالية إضافية باهظة في أحيان كثيرة.
هذا في جانب الباحثين عن عمل. أما في جانب العاملين لحسابهم الخاص، وممن اختاروا ريادة الأعمال، فتأهيلهم أفضل من تركهم سندا وعونا للتجارة المستترة، والحصول على العائد الشهري، فوضعهم في طرق شتى من أنواع التأهيل بدورات متخصصة وتشجيعهم ومنحهم شهادة تأهيل معنوي في كيفية إدارة الأعمال ومكاسبها، وتثقيفهم بالبُعد عن التجارة المستترة وغيرها من طرق التأهيل التي ستُساعدهم كثيرا في المعرفة بما لم يعتادوا عليه سابقا؛ مما سيؤدي بهم لتجنب وتجنيب السلطنة الكثير من أنواع أسباب استجلاب العمالة غير الماهرة، وتسريحها في أرض الوطن.
وإذا كُنا هنا نفكر في هكذا مسمى مكتمل، فإننا بعد هذا التوجه، نرغب أن يكون هذا الكيان الحكومي مكتملا بتعاونه مع جهات الاختصاص وجهات ذات مسؤولية مجتمعية، فإننا نعتقد اعتقادا جازما بأن معه ستدور عجلات التنمية الإيجابية في التشغيل، وسيساعد حتما في إنهاء ملف يمكن أن يكون معقدا بعض الشيء لفترة زمنية طويلة، ليُستبدل بمستقبل يكون فيه كل أسباب التكيف الاعتيادي الذي ستعتاده السلطنة وأبنائها مُستقبلا.
حفظ الله عُمان أبية شامخة، وحفظ سلطانها المفدى، وأنعم عليه -بكل فضل- الحكمة والرأي السديد.