مدرين المكتومية
لا يوجد أسوأ من الاكتئاب في الحياة، وفي زمن الكورونا ومع إغلاق كل منافذ الحياة والجلوس في البيت لأشهر منذ رفع شعار "خليك في البيت"، بتنا نُعاني من الضيق والضجر من كل شيء حولنا، فتحوَّل العالم كله إلى سجن كبير، وكأنَّ الجميع متهمون في قضية لا فكاك منها، ولا أي محام قادر على الترافع عنهم أمام أي قاض.
فالبعض أدمن النوم لساعات طويلة، فيما وجد آخرون أنفسهم منهمكين في مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه شغلهم الشاغل.. وكل هذا بلا شك يؤدي إلى مزيد من الإحباط والاكتئاب والحسرة على كل ما يحدث حولنا من إرهاق نفسي وضغوط هائلة. أكاد أجزم أنَّ أكثر الحالات التي راحت ضحية كورونا، كانت تُعاني من اكتئاب حاد، لاسيما من وهم الموت، والوسواس القهري من الأعراض المحتملة، الأمر الذي يدفعنا لوضع ذلك في عين الاعتبار، فكما قال ديل كارنجي "حياتنا حصاد لناتج أفكارنا، فكلما فكرنا بالمرض سنمرض، وكل ما فكرنا بالألم سنتألم وكلما فكرنا بالسعادة سنكون سعداء"، وأكثر التجارب التي نعيشها حاليًا والتي تتخذ شكلاً من أشكال تعاطينا معها، يكمن سببها بالتأكيد في طريقة تفكيرنا العقلي فيها، لذلك الاهتمام بالجانب النفسي لأي مريض يمثل نصف الشفاء إن لم يكن كله!
وبالعودة إلى مسألة إغلاق الحياة، فالأمر بالنسبة لأي شخص أشبه بالمرض، وتشخيص أي حالة مرتبط بالوضع الصحي، لذلك لم يبق لنا سوى أن نعود للحياة، كي نتعافى من المرض، فكل شيء من حولنا يُوحي بالموت، كل القطاعات مُغلقة، جميع المحال التجارية مقفلة أمام روادها، الجميع يخشى الاقتراب منك، الكل يرفض الحديث معك إلا من وراء حجاب، مع تعقيم مستمر ووسوسة باحتمالية انتقال المرض بأيِّ وسيلة، حتى لو نفى الأطباء والمتخصصون ذلك!
وبعيدا عن الضغط النفسي وحالات الاكتئاب الخطيرة، فإنَّ الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإغلاقات تستنزفنا، فما من شركة أو فرد إلا وتكبد خسارة، خسارة أرباح، خسارة عائدات، خسارة راتب، خسارة الحياة حتى!
وعلى الرغم من صعوبة الوضع الراهن وحرجه، لكن العودة للحياة وفتح الأبواب والنوافذ يستلزم المقاومة والتصدي لهذا الفيروس الكريه، من خلال الالتزام بكافة التعليمات والإجراءات الاحترازية.
الانفتاح يجب أن يكون وفق أنظمة وقوانين صارمة، بحيث نضمن الالتزام من الجميع في كل الأنشطة الاقتصادية، فبلادنا والعالم من حولنا لم يعد قادرا على مواصلة الإغلاق، ولذا نحن بحاجة لمزيد من الالتزام الفردي والمجتمعي، مع تطبيق القانون لكي تعود الحياة، بالطبع ليس كما كانت، لكن على الأقل لوضعها الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه في ظل الظروف القائمة. ففتح مؤسسات القطاع الخاص وعودة الأنشطة التجارية بالكامل، وفتح المطاعم والمقاهي بات أمراً حتميًا، مع اتخاذ كل الإجراءات اللازمة وتنفيذ عمليات تفتيش من الجهات الرقابية، وفرض التباعد الجسدي، لقد خلقنا الله لكي نحيا في هذه الدنيا ونسير في دروبها ونعمل ليل نهار، ونسعى في الرزق، ولم يخلقنا الله لكي نجلس في بيوتنا خشية المرض أو الموت!
ولا شك أنَّ جهود الجهات المعنية في إدارة الأزمة منذ بدايتها، جديرة بالثناء والتقدير، وفي المقام الأول أرفع بالغ عبارات الشكر والعرفان إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي أمر في وقت مُبكر من الأزمة بتشكيل لجنة عليا، ومتابعة جلالته الحثيثة لعمل هذه اللجنة، التي يتفانى القائمون عليها برئاسة معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية، لأداء واجبهم الوطني، بكل مسؤولية وشجاعة، ويولون جل اهتمامهم بالمواطن، الذي هو عين اهتمام المقام السامي، ودائمًا تكون التوجيهات السامية بالتخفيف عن المواطن بكل السُبل المُمكنة.