التغيير سُنة كونية.. والمستقبل أنت من تصنعه

◄ هُناك أمثلة عديدة عملتْ على بناء نفسها بعيدا عن روتين العمل الحكومي الممل في كثير من جوانبه، ولم تكمل في الوظيفة إلا سنوات بسيطة

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

 

نعيش في عالم متغير ومتحول ومتطور بطريقة سريعة جدًّا، والذي لا يتغيَّر سيجد نفسه وحيدا، وفي هذا الصدد يُتداول حاليا -وبشكل واسع- خبرَ المتقاعدين الذين أكملوا 30 عاما، وانقسم الكُتَّاب والباحثون والمحللون والمواطنون بين مؤيد لهذه القرارات ومعارض، وكلٌّ له أسبابه ومبرِّراته. وفي نظري أن هذا القرار ينبري تحت سُنَّة التغيير التي لابد أن يُؤمن بها الجميع؛ فالحكومة على حق في كثير مما ذهبت إليه، وهواجس عدد من المتقاعدين على حق في كثير مما ذهبوا إليه، ولكن التغيير سُنة كونية، والمستقبل بيد الله، والإنسان من يصنعه بجهده وعمله وفكره؛ قال تعالى: "اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ"، ومن يظن في نفسه المقدرة على العطاء فأرض عُمان بساط له.

مقالات عديدة كُتبت، وتغريدات ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، عن الجهود التي قدمها أولئك الموظفون، وهذا لا يمكن إنكاره أو تجاوزه، وما قدمه كل موظف قدمه لنفسه وأسرته ووطنه مقابل أجر مادي، وليس مِنَّة منه ولا تفضُّلا، وطالما هو كذلك فعليه أن يستمر في تقديم هذه الجهود في مواقع أخرى، مستلهما أفكارًا جديدة؛ فالوظيفة الحكومية ليست حِكرا لنا نحن معشر الموظفين، ومن يظنُّ في نفسه أنه مُنتِج ومُبدِع وقادر على العطاء فالمجال أمامه، ولن تقف الحياة على وظيفة معينة.

هُناك أمثلة عديدة عملتْ على بناء نفسها بعيدا عن روتين العمل الحكومي الممل في كثير من جوانبه، ولم تكمل في الوظيفة إلا سنوات بسيطة، وتركت وظائفها وكراسيها لتنفيذ أعمالها الحرة ومشاريعها التجارية ونجحت وحققت إنجازات لنفسها ووطنها، ولن أذكر أمثلة؛ فأكيد كل شخص يقرأ المقال يعرف شخصًا من هؤلاء، وأنت أيُّها الموظف المتقاعد قادر على أن تكون شخصًا ناجحًا وصاحبَ عطاء، شرط أن تبتعد عن السلبية والسلبيين، أما إذا ركنت إلى المُحبِطين والفاشلين فسوف تزورك الأمراض والهموم والحالات النفسية الخطيرة، وينطبق عليك مقولة "مت قاعدا".

وقد سألت عددًا من المتقاعدين السابقين: "كيف أمورك بعد التقاعد؟"؛ فقال أغلبهم لم ينقصنا أي شيء حتى المبلغ الذي خُصِم مع التقاعد تعوَّض ولله الحمد في أمور أخرى، ونحن الآن نعيش في نعيم وراحة واستقرار وحرية يحسدنا عليها الكثيرون، وسألت عمي الوحيد -ربي يحفظه- الذي تقاعد منذ سنوات باختياره وهو في الخمسينات من العمر: هل تجد وقت فراغ؟ فقال: ولله الحمد لا أشعر بالفراغ أبدا، وكل أوقاتي موزَّعة بين العمل الخيري والتطوعي، وبين قضاء تعبُّدي لله ومصالح بيتي وسفري.

فلا تقلقوا أيُّها المتقاعدون إذا كنتم مُتسلِّحين بالإيجابية والروح الصادقة والقريبة من ربها، فلن يُخيِّب الله سعيكم، ولن يقصر عليكم شيء، والكراسي التي تركتموها سيشغلها أبناؤكم وإخوانكم وأقاربكم وجيرانكم وأبناء هذا الوطن، الذين سوف يواصلون المسيرة لبناء هذا الوطن الغالي، وأنتم ما قصرَّتم وفيكم الخير، ونقول لكم: "جزاكم الله خيرً"، ودعوة مني شخصيا بعدم البكاء ونشر السلبية بين أوساط المجتمع، والتباكي بأنكم مظلومون، وأن الوطن لم يقدر لكم عطاءكم، فثلاثون عامًا تكفي، والفرصة قادمة للأجيال المستقبلية لتعطي وتقدِّم، وأكرر بأن المستقبل بيد الله، وبحركتكم وفكركم لن يتوقف عطاؤكم لهذا الوطن الذي يفخر بكم ويعتز بما قدمتموه طوال الثلاثين عامًا، ولا تجعلوا الخوف من التقاعد يدخل في نفوسكم حتى لا تُهزموا داخليًّا كالأسد عندما خاف تهديدَ الفأر؛ حيث كان يُحكَى أن فأرا قال للأسد في ثقة: اسمح لي أيها الأسد أن أتكلم وأعطني الأمان.

فقال الأسد: تكلم أيها الفأر الشجاع.

قال الفأر: أنا أستطيع أن أقتلك في غضون شهر.

ضحك الأسد في استهزاء، وقال: أنت أيها الفأر؟

فقال الفأر: نعم، فقط أمهلني شهرا.

فقال الأسد: موافق، ولكن بعد الشهر سوف أقتلك إن لم تقتلني.

مرت الأيام

وفي الأسبوع الأول: ضحك الأسد، لكنه كان يرى في بعض الأحلام أن الفأر يقتله فعلاً. ولكنه لم يبالِ بالموضوع.

مر الأسبوع الثاني، والخوف يتغلغل إلى صدر الأسد.

أما الأسبوع الثالث: فقد كان الخوف فعلاً في صدر الأسد.

وإذا بالأسد يحدث نفسه: ماذا لو كان كلام الفأر صحيحا؟!!

وفي الأسبوع الرابع: أضحى الأسد مرعوباً.

وفي اليوم المرتقب، دخلت الحيوانات مع الفأر على الأسد.

وكم كانت المفاجأة كبيرة لما رأوا الأسد: "جثة هامدة".

لقد استطاع الفأر أن يهزم الأسد، حين أدخل إلى نفسه الشعور بالخوف.

ودمتم ودامت عُمان بخير...،