◄ أشدد على ضرورة الاهتمام بالأبحاث العلمية الجادة، وليس الأبحاث التي تحفظ بأسماء حاملي الشهادات، الذين لا علاقة لهم بالعلم إلا فقط بالمسمى
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"عندما يصل الفساد الكتب فقد اهترأت حتماً كُل النُظم"، محمود أغيورلي.
في كل علمٍ من العلوم تعمل أبحاث يقوم بها متخصصون، وتكون هذه الأبحاث إما طلابية وإما لأساتذة يتوقون للترقية العلمية، وإما لأبحاث تمَّ تكليف الباحثين بها من جهات معينة متخصصة أو غير متخصصة، وغالباً للأسف الشديد أن بعض الأبحاث تنتهي عندما تنشر في المجلات العلمية المحكمة (خاصة في بلداننا!)، مع أنَّ العكس هو الصحيح، يفترض الاستفادة من البحث المحكم في صور شتى، حتى الباحث الذي كتبه يفترض أن يُطور البحث، ويكون البحث بابا لأبحاث أخرى بها فائدة وتطوير، وهناك بعض الأبحاث ما يناقض البحث السابق نتيجة التوسع بالبحث وارتقاء سلالم بحثية وتدرجات علمية لاحقة، وأعتقد أنَّ مثل هذه الأبحاث هي الأهم في التركيز عليها ..
البحث (كل في مجاله) إن لم يأت بجديد، فوجوده كعدمه، مُجرد سطور نشرت ومن ثم انتهى مفعولها بمجرد النشر أو الاستفادة بترقية علمية زادت الرقم في شهادة الراتب!
سمعت وقرأت أكثر من مرة عن مشاريع لأرشفة الأبحاث الجامعية على مستوى الوطن العربي (بالطبع المقصود الجامعات العربية)، إذ تؤرشف الأبحاث المحكمة وكذلك رسائل وأطروحات الماجستير والدكتوراه المجازة، لكن في الحقيقة لم يثبت أن وجد مستودع عربي شامل كل ماسبق ذكره، ولاشك أتمنى أن يحصل مثل هذا الأمر لأننا سنكون على أول أعتاب محاربة الأبحاث المسروقة وغيرها من التجاوزات ذات الصلة..
إنَّ الأبحاث التي تنقب وتبحث عن معلومة جديدة أو استنتاج جديد، أو طرح غير مألوف وقراءة مُختلفة، والتي تكتب وتنجز وفق منهجية علمية واضحة، من ناحية التقيد بطرق ومناهج وأدوات البحث العلمي هي الفارقة والتي تستحق الاحتفاء والرجوع إليها كمرجع أو أداة مصدرية، ولنا كمثال أن هناك ملايين الأبحاث التي أنجزها الباحثون لكن لا يرجع إلا للأبحاث الرصينة التي تحمل المختلف وتبتعد عن الدارج والمألوف..
الأبحاث الجادة في كافة العلوم التجريبية أو الإنسانية تحتاج دعما ماليا / معنويا، لابد من تسهيل تفرغ الباحثين ودعم أبحاثهم الجادة، من خلال الدعم المالي المناسب للبحث بحسب أهمية المادة المراد البحث عنها أو حولها، كذلك تيسير التفرغ العملي، ومنح إجازة مع مرتب حتى يتحرر من الضغوط الحياتية، أن ينجح بحث واحد ويُحقق نتائج مرجوة، خير من آلاف الأبحاث التي لا تضيف شيئا ومكانها الحفظ بالأدراج!
ولنا كمثال ما يعانيه العالم من أزمة وباء كوفيد 19، ونقرأ عن تهافت المُختبرات والعلماء على إجراء الأبحاث العلمية لغاية الوصول إلى اكتشاف أو ابتكار لقاح أو دواء يساعد الإنسانية في التخلص من الخوف ومُعالجة المرضى المصابين، بينما نجد في بلادنا ولا كأن الأمر يعنينا، وإن حدث تحرك فهو إعلامي أكثر منه علمي، فقط نكتفي بمتابعة علماء الغرب والشرق الجادين، للحصول على أية نتيجة ممكنة!
أين مراكزنا العلمية، أين المباني الشاهقة ذات الأثاث الغالي والمكاتب الفاخرة، وأصحاب المؤهلات العلمية أصحاب الألقاب العلمية، للأسف تبين أنهم ليسوا أفضل حالا من خيال المآتة!
لذلك أشدد على ضرورة الاهتمام بالأبحاث العلمية الجادة، وليس الأبحاث التي تحفظ بأسماء حاملي الشهادات، الذين لا علاقة لهم بالعلم إلا فقط بالمسمى، وحتى الشهادة التي يحملها قد لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به!
علينا أن نفرق بين الكم والكيف في الأبحاث العلمية، ليس كل بحث علمي يستحق أن يكون بحثاعلميا، الأمر يتطلب الأمانة والنزاهة، والحزم في مواجهة الآفات التي أسبغ عليها ظلمااسم بحث علمي!