د. مجدي العفيفي
(1)
جاء في الأدبيات الإنسانية.. أن وباء كان قادمًا إلى المدينة، شاهده رجل، فقال له:
- إلى أين أنت ذاهب أيها الوباء؟.
فقال الوباء:
-أمرت أن آتي إلى هذه المدنية لأقتل ألفاً منها.
وعند خروجه قال له الرجل:
- ويحك أيها الوباء لقد قتلت عشرين ألفاً
فقال الوباء:
- لا.. قتلت ألفًا فقط والباقي قتلهم الوهم ..
أرأيتم .. الوهم نصف الوباء..
والاطمئنان نصف الدواء..
والصبر أول خطوات الشفاء ..
العلاج من عندك والشفاء من عند الله ..
فهل من مدكر؟.
(2)
صديقي اللغوي والنحوي غاضب وغضبه غيرة تبدو حامية على اللغة العربية.. إذ يقول: الكمامة عند العرب ليست للإنسان، وعند ابن منظور وغيره: الكِمام بالكسر والكِمامة: شيء يُسد به فم البعير والفرس، أما النقاب فهو للمرأة وكانوا يُسمونه في الجاهلية «البرقع والقناع والنقاب» أما للرجل فيقال اللثام أو اللفام..وكانوا يتلثمون في الغبار وفي الحرب وفي المواضع التي لا يُريدون فيها أن يعرفهم أحد،وعليه.. فالكمامة للدابة أو البهيمة .. والنقاب والبرقع والقناع للمرأة.. واللثام واللفام للرجل .. فانظر إلى تفصيل العرب في كلامهم، ثم انظر إلى من يُسمون غطاء الفم والأنف اليوم في هذه الجائحة (كورونا) بالكمامة التي هي للحيوان دون الإنسان
وينزف صديقي النحوي فكرًا حتى ليقول: لتدرك أنَّ لغة القرآن تحتضر في أرض العروبة، وصدق شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته "اللغة العربية تتحدث عن نفسها":
ومنها :
أرى كل يوم في الجرائد مزلقا
من القبر يدنيني بغير أناة
وسعت كتاب الله لفظاً وغايـــة
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
ومنها أشهر بيت شعري عن لغة الضاد:
أنا البحر في أحشائه الدُر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
(3)
ولأنَّ الشيء بالشيء يذكر.. نشر الناقد د، أحمد درويش أستاذ البلاغة على صفحته «الفيسبوكية» سؤالاً بسيطاً جدًا، فإذا بشريحة متنوعة من سكان كوكب الفيس تتفاعل وتنفعل مع «بوست» السؤال، أما السؤال وقد تلقته مواقع إلكترونية عديدة: ناقد أدبي وأستاذ بلاغة شهير يتساءل عن "كورونا": مؤنث أم مذكّر؟ أعضاء مجمع اللغة وأدباء وفلاسفة رجالا ونساء يجيبون ويثيرون عاصفة من السخرية والجدل ويؤججون معركة "الذكر والأنثى"
حسبت أنَّ المسألة مجرد طرفة، مثل من يبحثون هل نملة نبي الله سليمان كانت ذكرا أم أنثى؟ أو مجرد تسلية وراء قضبان سجن كورونا، أو مزحة لإزجاء وقت الفراغ، إلا أنَّ الحكاية تجاوزت ذلك وتجادل حولها أساتذة فلسفة ونقد ولغة وأدب وسياسة..و..و.. فصار أمرا يستدعي وقفة أو مسحة - بلغة كورونا- وسنرى في لقاء قادم.
(4)
لا تُساعدني.. لكن لا تؤذيني !
اكرهني.. لكن لا تتصرف وكأنك تحبني !
لا تجعلني سعيدا .. لكن لا تفسد سعادتي ..!
"هذا من حقك يا صديقي فلا تغضب"
(5)
مسرحية كورونا بدأت بأمر ظاهره فيه العذوبة الإنسانية وباطنه فيه العذاب والتعذيب والاستغلال والمزيد من الهيمنة وامتصاص دماء الشعوب وإنهاك الدول، والله أعلى وأعلم.
الأمر صدر في أول مارس ( اغلقوا العالم) والآن الأمر صدر أول يونيو ( افتحوا العالم) ..
هل هذا من قبيل المصادفة؟
أي فيروس هذا الذي ينفذ الأوامر وكأنه كائن حي؟!
هل هي لعبة سياسية وبامتياز .. ربما..
هل هي" إنسانية" القوى التي تزعم أنها عظمى وقلب أصحابها على العالم المسكين وبراءة الأطفال في عيون "قواده" (!!).
الحقيقة عادة تظهر متأخرة، لكنها تظهر، وإن غدا لناظره قريب.
(6)
قبل سنوات كنت في مهمة صحفية داخل محافظة ظفار، اتحرك بين مشاهدها وأتنقل بين مشاهدها، وأحدق في آثارها، واستعيد مآثرها وسط جبالها..
وهناك في بيت عتيق، في قرية نائية من قرى المُحافظة الغامضة، جلست ارتشف القهوة مع شيخ جبلي عجوز، تفوح منه رائحة الثقافة والعفوية والتلقائية، وكان يبدو أنه يتفرج على العالم بطريقته، وتلتقط عيناي في ركن قصي مجموعة من الكتب، تمتد يده لتهديني كتابًا صغير الحجم لكن عنوانه متوحش، والعنوان - كما نقول في علم النقد - يفكر للنص، وفي المثل الشعبي "الجواب يبان من عنوانه" وعنوان الكتاب "حكومة العالم الخفية" تبدو عليه آثارالقدم، وهو مطبوع في الأربعينيات من القرن الماضي.
المضمون مرعب لكنه يطفئ علامات استفهام لا أول لها ولا آخر،
يبدو العالم قطعًا من الشطرنج، تتحرك بحسبان، والآمر واحد.. أو كمسرح العرائس كل الخيوط تحركها أصابع ذكية جدًا بغض النظر عن الخبث والدهاء من عدمه..
إنِّها لعبة الأمم ... ولنا مع هذه "الحكومة العالمية الخفية" وقفات قادمة...إن كان في العمر بقية.
(7)
كثير من رحيق.. قليل من حريق :
* تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع، ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع " الإمام علي بن أبي طالب"
* من يعدوننا بالجنة على الأرض لم يعطونا إلا جهنم. "كارل بوبر"
يُصبحون ذكرى عابرةً، بعدما كانوا الحياة محمود درويش
* نحن نعامل من يقولون لنا الحقيقة على أنهم ألد أعدائنا "أفلاطون"
* الحقيقة ليست سوى وهم، لكنه وهم ثابت. "آينشتاين".