"القوة العسكرية" لا تمنح أفضلية بغياب "الدماغ الإستراتيجي"

"هل فازت الصين؟".. استنساخ سيناريو "الحرب الباردة" بلاعبين جُدد!

ترجمة - رنا عبدالحكيم

لم يجد كيشور محبوباني عنوانًا مثيرًا للجدل أكثر من "هل فازت الصين؟ التحدي الصيني للأفضلية الأمريكية"، ليعنون به كتابه الجديد، حسبما أشارت لذلك صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، والتي رأت أنه من المؤكد سيثير العداء وحتى الغضب للقراء الأمريكيين، غير أنها استدركت بأنه "أمر جيد.. وفوق كل شيء، سوف يجبرهم على مواجهة الاحتمال المقلق بأن الصين ستأخذ مكان الولايات المتحدة هذا القرن باعتبارها القوة المهيمنة في العالم".

فمحبوباني الذي لطالما ملأ مكانًا مناسبًا في دائرة المؤتمرات الدولية؛ مثل الحديث الآسيوي الصريح عن الحقائق غير المرحب بها للغربيين، كتب روايته قبل تفشي جائحة الفيروس التاجي، معتقدًا من خلالها أنَّ الطبقات الحاكمة الأمريكية في تنافسها مع الصين هو عودة للحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وأنهم "يعرفون كيف انتهى هذا الفيلم". ويقول محبوباتي: "من المؤكد أنها مسألة وقت وجاذبية سياسية فقط، قبل أن ترى القوة العظمى المُحِبة للحرية والسوق الحرة أحدث ديكتاتورية شيوعية".

ويختار محبوباني هذا التشبيه في الحرب الباردة، ولكن هذه المرة -كما يجادل- فإن الأدوار معكوسة: الولايات المتحدة هي القوة العظمى غير المرنة، والأيديولوجية التي تواجه تحديًا منهجيًّا، في حين الصين هي المنافس القابل للتكيُّف البراجماتي والذكي إستراتيجيًّا. فيكتب "أمريكا تتصرف مثل الاتحاد السوفييتي، والصين تتصرف مثل أمريكا".

ويستكشفُ محبوباني الأجزاء الأكثر حساسية في أمريكا، فرغم الضجيج المتزايد من واشنطن، فشلت الولايات المتحدة في تطوير أي إستراتيجية متماسكة للتعامل مع الصين الصاعدة، كما يجادل. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع إستراتيجية الاحتواء الصبور التي عبر عنها الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان عام 1946 في بداية الحرب الباردة. ويعطي محبوباني مُهلة قصيرة للدبلوماسيين الأمريكيين المهمشين في العصر الحديث؛ فهناك -كما لاحظ وزير الدفاع السابق روبرت جيتس- عدد أكبر من أعضاء فرق المسيرة العسكرية من أفراد الخدمة الخارجية الأمريكية. ويضيف الدبلوماسي السنغافوري السابق أن السياسة الأمريكية قد تمَّ الاستيلاء عليها من قبل نظام بلوتوقراطي قصير النظر، لن يستمر طويلاً إذا تم تطبيق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، الذي يجرم رشوة المسؤولين في الخارج، في الداخل.

وبحسب ما ساقه محبوباتي، فإنَّ الولايات المتحدة تفتقر إلى أي دماغ إستراتيجي، وقد أصبحت تعتمد بشكل مفرط على العضلات العسكرية ومتورطة في حروب دائمة في الشرق الأوسط. قد تمثل الولايات المتحدة نصف الإنفاق الدفاعي العالمي، ولكن ما مدى استخدام أجهزتها العسكرية في عصر البرمجيات؟ يُمكن أن تغرق بسهولة حاملات الطائرات الأمريكية، التي يمكن أن تصل تكلفتها إلى 13 مليار دولار، بواسطة أحد صواريخ DF-26 الصينية، بتكلفة بضع مئات الآلاف من الدولارات.

محبوباتي لفت إلى أنَّ الأكثر إدراكًا في الأمر أنَّ النموذج الاجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة قد توقف عن تقديم الخدمات لمعظم سكانها: "أمريكا هي المجتمع المتقدم الوحيد الذي انخفض فيه متوسط دخل أقل 50% من السكان على مدى السنوات الثلاثين الماضية. في نفس الفترة، شهد الشعب الصيني أكبر تحسن في مستوى معيشتهم على الإطلاق في التاريخ الصيني".

إن محبوباني يتَّسم بالحيوية في مديح قادة الصين كما يضر بنظرائهم الأمريكيين، ويجادل أن حكم الرئيس الصيني شي جين بينج يقدم ثلاث منافع عامة للعالم؛ هي: كبح القومية الصينية والاستجابة لتغير المناخ؛ وضمان أن الصين قوة قائمة بذاتها، وليست ثورية. ويضيف: "هناك إمكانات قوية جدا يمكن أن يوفرها شي جين بينغ للصين".

وفي النهاية، يتجاهل محبوباني السؤال الذي يطرحه عنوان كتابه، خالصًا إلى أنَّ "التنافس الجيوسياسي بين أمريكا والصين أمر لا مفر منه ويمكن تجنبه".

تعليق عبر الفيس بوك