عبد الله العليان
كلنا نعلم ما حدث في الشهور الماضية، من تسريح المئات، وربما المئات من الموظفين العمانيين في القطاع الخاص، تحت مبررات أن الظروف الاقتصادية القائمة نتيجة الأزمة الاقتصادية مع انخفاض النفط، أو انتهاء بعض الشركات من بعض أعمالها المنوطة بها بموجب العقود المبرمة، في مناقصات محددة، وأصبحت هذه الشركات، لا تستطيع دفع مرتبات، وهذه قضية تحتاج إلى قوانين ولوائح، تنظر في مآلات توقف أعمال هذه الشركات والمؤسسات، وكيفية حماية الموظف العماني، بعد إنهاء هذه الشركات، وما هو المخرج بعد ذلك؟
ومع مجيء وباء (كورونا.. كوفيد 19 المستجد)، ونتيجة لقرارات اللجنة العليا، للوقاية من انتشار الوباء في تحديد نشاط الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية، قامت الكثير من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، بقطع رواتب الموظفين، وبعضها الآخر قام بخفض الرواتب إلى النصف، ولا ندري، هل تمت إعادة الرواتب المقطوعة لهم كاملة، أم ما تزال هذه الشركات والمؤسسات، تراوغ في تأخير الرواتب.
لكن هذه وتلك، تحتاج إلى وقفة جادة وحاسمة، في إعادة النظر في القوانين والنظم في هذا القطاع؛ لأنّ الأمر أصبح مشكلة متفاقمة، بالنسبة لإحلال العمانيين في القطاع الخاص، خاصة أنّ العمالة الوافدة، أصبحت هي الغالبة والمسيطرة على معظم وظائف هذا القطاع، وهذه مسألة من المهم والضروري أن تتم فيها المرجعة بجدية، خاصة أنّ المخرجات من الجامعات والكليات، أصبحت بعشرات الألوف، في كل التخصصات العلمية والمهنية، فلماذا يتأخر تعمين الوظائف في القطاع الخاص؟
سبق وتحدثت عن نجاح الموظف العماني في إدارة وظائف فنية ومحاسبية مهمة ونجح فيها الشباب، وذكرت أنّ القطاع المصرفي، عندما ألزم البنوك بتعمين الوظائف، وتمّ تطبيق ذلك في كل مستويات الوظائف، تحقق النجاح الباهر، بشهادة مجالس إدارة هذه المؤسسات المصرفية، الأجنبية منها والعمانية، وسقطت كل المبررات التي كان يطلقها البعض، من أنّ الموظف ليس مؤهلاً للقيام بوظائف مهمة وبلغة أجنبية، وأنه فقط يريد أن يجلس على الطاولة ويأخذ المرتب كل شهر؟ هذه التبريرات غير صحيحة، وفهمت بعد ذلك أسبابها، وكانت تطلق بسبب فارق في الراتب بين راتب الوافد وراتب الموظف العماني الأكثر قليلاً، وهي للأسف لا تقنع أحداً، لأننا لو حسبنا الفارق بين مرتبات الوافد والوطني، لوجدنا الفارق ضئيلاً جداً، بسبب الالتزامات الأخرى للوافد من سكن، وإقامة، وتذاكر وعلاج... إلخ. ومن هنا كان الأولى أن يتاح لابن البلد، أن يأخذ فرصته في العمل وتقديره من حيث المرتب عندما ينجح في عمله، وتتاح له الفرص للإبداع والتفوّق.
كما إنّ القيادات الإدارية العمانية التي استلمت الكثير من الشركات والمؤسسات نقلتها إلى نجاحات كبيرة وأكثر حتى من القيادات الأجنبية، وهذه تبرز أنّ مقولة إنّ النجاح عند غير العمانيين مقولة غير دقيقة وزائفة، وهي مجرد أحكام مسبقة من أنّ الآخرين هم الأفضل والأكثر قدرة على الأداء الجيد، من هنا فإنني أرى من المهم إعادة النظر في نظم ولوائح القوانين التي تنظم القطاع الخاص دون إبطاء، وأولها إلزام القطاع الخاص بتعيين القيادات العمانية في هذه الشركات، إذا ما وجدت المؤهلات والخبرات التي تتساوى مع الآخر الوافد، إذا ما أردنا أن يتحقق التعمين بصورة انسيابية في كل المؤسسات والشركات؛ أسوة بما تم إلزامه في القطاع المصرفي إجبارياً، كما أشرنا إليه آنفاً، وكذلك غيرها من الشركات التي تم تأسيسها كشركات عامة أو مقفلة، وحققت نجاحاً كبيراً، وما تزال النجاحات تتحقق، مع الإدارات العمانية الخالصة، ولا أريد أن أذكر نماذج من هذه الشركات والمؤسسات الناجحة، وهي بالمئات ومعروفة لدى الجهات المسؤولة.
لكن ما أود الإشارة إليه هو أنّ الظرف الآن لا يحتمل التأخير في إلزامية التعمين ودعم تطبيقه، والتحرك للإحلال بصورة متدرجة لتلبية مطالب المخرجات، وهو حق للمواطن في وطنه ما دام أنه أصبح مؤهلاً للإحلال في وظائف هو أجدر وأحق بها، وهذه تحتاج إلى خطوة جدية لا تحتمل التأخير.
والأهم من ذلك أن نبدأ بتعيين القيادات المؤهلة؛ لأن فرصة التعمين لن تتحقق بصورة مقبولة إلا إذا بدأنا بالقيادات، وهي التي ستضع قرارات التعمين موضع التنفيذ؛ وهذه مسؤولية وزارة القوى العاملة، التي كنا نتمنى أن تكون أكثر متابعة لتحقيق التعمين، دون إبطاء!
الأمر الآخر والمهم في مسألة التعمين، الداعم الأول لهذا الجانب، هو فرض تعريب المعاملات في كل المؤسسات والشركات، عدا بعض الشركات المتخصصة التي يتطلب عملها لغة أخرى، والكفاءات العمانية تستطيع أن تتعامل بكفاءة مع هذه اللغات الأجنبية، فلا عذر في هذا الأمر أبداً إذا ما أردنا تحقيق أهداف التعمين، وحل إشكالية الباحثين عن عمل من أبنائنا وبناتنا، وهذه لا بد أن تكون لها الأولوية في كل التخصصات، وقد كتبت عن ضرورة التعريب في مرات عديدة، لكن لم نجد آذاناً صاغية من الجهات المعنية، وخاصة وزارة القوى العاملة، وهي المسؤولة عن التوظيف في القطاع الخاصة، أو مجلس الوزراء، وهذا بلا شك يحتاج إلى قرار جريء لتنفيذ مسألة التعريب، وتطبيق التعمين، فمع تراكم المخرجات، سوف نجد مصاعب اجتماعية جمة، وبغير تطبيق الوظائف، خاصة الإدارية والمالية في هذا القطاع، ستبقى مشكلة التعمين كما هي تراوح مكانها.