دماء على الأسفلت

 

محمد بن حمد البادي

Mohd.Albadi1@moe.om

 

حيواناتٌ سائبةٌ تسير زرافاتٍ ووحداناً، تراها منتشرة في كل مكانٍ، في الطرقات وفي الأزقة، وفي الأحياء السكنية بين المنازل، تتسبب في إتلاف الممتلكات الخاصة والعامة، تقفز من جدارٍ إلى جدار، وتمرح بين الأزقة والطرقات، تمارس هوايتها في الحركة والتنقل وهي في قمة النشوة، ما إن ترى باباً مفتوحاً إلا ولجته، ولا حائطاً صغيراً إلا اقتحمته، ولا سيارة متوقفة إلا اعتلتها، ضاربةً بقوانين البشر عرض الحائط، غير آبهة بغضبهم، ولا مكترثةً لرضاهم أو سخطهم، تفعل ما يحلوا لها هي فقط، بدون رادع ولا وازع ولا حسيب ولا رقيب، ولا خوفاً من التأنيب الذي ستلقاه من صاحبها الذي أطلقها بعد أن وضع كل ثقته فيها، وأخذ منها جملةً من العهود والمواثيق، وحلف عليها الأيمان المغلظة بألا تتعدى حدودها، ولا تؤذي أحداً، ولا تسبب له حرجاً مع الناس، ولكنها لم تبالِ بكل ذلك، فعاثت في الأرض الفساد، وأهلكت الحرث والنسل، وانتهكت خصوصية الطرق الرئيسية، وأسالت دماءً على الأسفلت، بعد أن صارت الشوارع العامة مرتعاً لها، وكأن هذا المكان أصبح المتنفس الوحيد لحياتها، ولا يُرضي غرورها غيره، متجاوزةً بذلك كل الأنظمة، ومخالفةً قانون تنظيم حفظ الحيوانات السائبة أو المهملة.

لقد صارت الحيوانات السائبة هاجساً مؤرقاً لمرتادي الطرق، بعد أن تسببت في إزهاق أرواح الكثير من الشباب في حوادث مرورية، شباب هم زهرة الحياة، وعماد الوطن وثروته، فكم من أمٍ انفطر قلبها على ولدها، وكم من زوجة ترملت، وكم من أبناء تيتموا، وكم من بيوت قد أغلقت أبوابها بسبب الحيوانات السائبة.

إنّ الحد من خطورة الحيوانات السائبة والمهملة أصبح مسؤولية الجميع، حيث صار مطلباً مهماً يفرض نفسه على الواقع بصورة ملحّةٍ لما تسببت هذه الحيوانات فيه من زعزعة أمن واستقرار المجتمع، فقد أضحى هذا الأمر حديث أبناء المجتمع في مجالسهم، وأُشبع نقاشات وحوارات ولقاءات في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كلٌ يدلي بدلوه، يختلفون في أساليب الحوار، بين شدٍّ وجذبٍ، لتباين قناعاتهم، ولاختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، وربما يستعين أحدهم بخبرات السنين، ولكنهم بالتأكيد يتفقون على مبدئٍ واحدٍ مهمٍ وهو(ضرورة الحد من خطر الحيوانات السائبة).

إنّ من الإجراءات المهمة التي ربما تساهم بشكلٍ كبيرٍ في الحد من هذا الخطر يتمثل في الإسراع بتفعيل القوانين التي وضعت لهذا الشأن، والعمل على تطبيقها تطبيقاً صارماً، إضافة إلى نشر التوعية القانونية الخاصة بها؛ وما يترتب على ذلك من عقوبات تطال كل من يخالف قانون تنظيم وحفظ الحيوانات السائبة والمهملة، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 87/86، والقرار الوزاري رقم 8/86 وتعديلاته المستبدلة لبعض نصوصه بشأن تنظيم حفظ الحيوانات السائبة أو المهملة، والمتضمن 12 مادة، والذي ينصُّ في مادته (الأولى) على: (يحظر ترك الحيوانات مهملة أو سائبة أو السماح لها بالرعي في المدن والقرى السكنية أو على مسافة تقل عن كيلو متر واحد من الطرق العامة والرئيسية، وعن نصف كيلو من الطرق الفرعية، كما لا يُسمح لها بالرعي في الأماكن غير المخصصة لذلك).

إنّ الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه في هذا الشأن محل تقدير واهتمام من الجميع، وخصوصاً تلك الأخبار التي نتابعها بشكل شبه يومي عبر المواقع الرسمية للبلديات حول الحملات التي تنفذها لاحتجاز الحيوانات السائبة، إلا أنَّ الأمل يحدونا في أن يتم تخصيص أقسام خاصة بالبلديات تُوكَل إليها هذه المهمة التي أصبحت لا مناص منها، تضم فريق من الموظفين المتخصصين، على أن يهيأ لهم المناخ المناسب للعمل من حيث تزويدهم بالعدة والعتاد، وسن القوانين والتشريعات التي تسهل لهم القيام بهذه المهمة؛ وذلك بسبب زيادة أعداد الحيوانات السائبة بشكل ملحوظ في المدن والطرقات العامة خلال الفترة الأخيرة.

كما أنّ لوزارة النقل دور فعّال في هذا الشأن، فكما أنّ لهذه الوزارة خدمات جليلة في هذا الوطن، والتي من أبرزها شق الطرق وإنارتها، إلا أنه يجب عليها المسارعة في إتمام إنارة هذه الشوارع، لا سيما الرئيسة منها، وذلك من أجل المساهمة في الحد من خطورة الحيوانات السائبة التي أزهقت الأرواح وأسالت دماء على الأسفلت.

فطريق الباطنة السريع الذي يعد من المشاريع العملاقة التي أنجزتها وزارة النقل والاتصالات في الآونة الأخيرة، والذي يضاف إلى قائمة مشاريع البنية التحتية في السلطنة، حيث إنّه يربط محافظات السلطنة وولاياتها ببعضها البعض، مما أسهم بشكلٍ فعّالٍ في تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية في السلطنة، إلا أنّ هذا الطريق ـ بالرغم من افتتاحه لمرتاديه منذ فترةٍ ليست بيسيرةٍ ـ لا يزال بحاجة ماسّة جدا لوجود الإنارة التي بلا شك أنها ستخفف من أخطار الحيوانات السائبة، وستحقن الكثير من الدماء.

تعليق عبر الفيس بوك