الولاء.. الذراع المبتور للاستدامة

فاطمة الحارثية  

مازال الانسان يُقسم الأمور إلى خير وشر والناس إلى زمرة الأصدقاء وزمرة الأعداء، والبعض يخوضون تحت شعارات الجاهلية بإمعان "إن لم تكن معي فأنت عدوي"، نعم أيها الأعزاء مازلنا على الفطرة وبعض الجاهلية. 

قد نتفق "ربما" على أن الحال الآن يلتبس علينا ونعاني من الحيرة والارتباك حول مفاهيم المُثل العليا، بمعنى أجل "وجه التقليد" والشك في الاخلاقيات والأحكام، وقد عزز ذلك العولمة وصدمة اندماج الأعراق والثقافات والأديان والسلوكيات والعادات والتقاليد المختلفة وغيرها.

قد تكون روح الحماس لدى إنسان أواخر القرن الماضي "المغامرة" أقبلت على تلك المتغيرات باندفاع بعيدا عن إدارة التغيير لتتخبط المفاهيم والأيدولوجيات المختلفة في شرنقة من صراعات دائمة مع المجهول تحت فعل "التعلم من الخطأ"، فمازلنا لأكثر من عقدين نتعامل مع طفرات وتقلب أوضاع لا نكد نستوعب احتواء بعضها لتظهر غيرها بقوة وقسوة. 

أحب التفكير الجماعي ما يُسمى حديثا بالعصف الذهني، فهو مولد عجيب لما قبل وأثناء وبعد الحدث فمتابعة تحليل الآخرين للماضي والتنبؤ بالحاضر ونتائج المُستقبل أمر "لا يُفوت" بالنسبة لي. وما لمسته من بعضهم أنهم على  قناعة تامة أن العولمة أدت إلى تغيب واضح للقيم السامية ونُظم المبادئ والانقسام الفكري بين جيل قديم وجيل حديث والصواب والخطأ، ورفض بعض المفكرين المناهج التي بنت وشكلت حضارات ورفعت شأن أمم استطاعت أعمالهم أن تصل إلينا عبر كتب التاريخ، حتى يكاد الواحد منا في خياله يتسأل ما الذي سيُدونه التاريخ عن عصرنا.  

إن القيم السامية إن لم تندمج في سلوك وفعل الأفراد والجماعات لا نستطيع أن نحصل على ضمان فعلي للاستدامة فالعطاء مرتبط بعمل ما نؤمن به وغاية الأهداف والمُثل التي تعد الأدوات الأساسية من أجل تحقق المخرجات الراسخة وعُموم نفعها،  إن ركائز القيم كثيرة ومنها روح الولاء الحرة التي تنقل النفعية النرجسية الفردية والمصالح الشخصية إلى الصالح العام المتعدد النفع والمستمر لأجيال، فالولاء يُخرج طاقات كامنة على هيئة بذل ابتكاري متجدد ومتعدد الحلول في اجتهاد ومركزية لبلوغ الأهداف ثم الغاية. 

ربما معظمنا يعلم ما نريد ونختلف في كيفية بلوغ أهدافنا المشتركة وغاياتنا فمنا من هو على عجل ويبحث عن حلول سريعة ومنا من يُريد التمهل بغرض الامتثال بالخطوات الثابتة الراسخة، ومنا من ينتظر الأمر ليعمل وآخر يُبادر، إذا لنتفق أولا على أن الأهداف هي ذاتها، ثم لننظر إلى تقسيم الأهداف لمهام تتناسب مع الإمكانيات المتوفرة مع استيعاب العجز والنقص وآليات ردم القصور.

سؤال يطرح نفسه: إن لم يكن كلنا فمعظمنا يُريد التغيير، فهل نحن بالفعل مستعدون للتغيير؟ وهل لدينا القدرة على تحمل تبعات التغيير؟

لبلوغ الأهداف لا بد من إدارة تغيير ناجعة وعدم التقليل أو الاستهانة بأي فرد مهما كان دوره. 

إذن لنبدأ  استيعاب من نحن وحاجاتنا قبل رغباتنا، التسويق الصحي المستمر للغاية السامية وأهدافها من أجل الفهم والاشراك والانتماء للعمل، توزيع المهام، تقسيم العاجل والمؤجل، التوازن بين الاصغاء والعمل فقد تحتاج خطط التغيير إلى تحسين وتحويل وربما استبدال، قياس معايير الولاء والمُثل العليا لرسم معالم الواجب وما لكل فرد وعليه أي تصور مردوده الخير الجماعي، والابتكار وتوليد الأفكار الخلاقة المرتكزة على العطاء، وإدراك أن الأهداف هي لبلوغ وتحقق غاية أسمى وأعم، والتوازن بين الحاجة الاكاديمية والتقنية في مقياس أخلاقي ثابت، وجب أن لا يغيب عنا أن المعمعة التي نحن فيها الآن منذ أكثر من عقد بإدارات أكاديمية، مع اتفاق الكثير منهم معي أن هناك فئات قد تصلبت وأتت النظريات على فعلها والتعنت، وهذا أثر سلبا؛ فالاقتصاد والنهوض يحتاجان الى بنية مرنه متغيرة الأدوات ثابتة الغاية ومتجددة الأهداف وليس إلى الكِبر والغرور وحال "أنا أعلم"، مع مراجعة معايير الأداء بنظام دوري، وضمان الاستمرار بحضور أو غياب الافراد "الديمومة الديناميكية".

إن التجديد والرقمنة الذكية وتأطير التكنولوجيا يجب أن يكون بما يناسبنا وليس تقليدا أعمى ناسب غيرنا. كما  إن صهر الثقافات المتعددة في المجتمع الواحد يحتاج الى خلق غايات مشتركة وفي الغالب تكون من أساسيات حياة الانسان بما يحقق بقاءه الفردي والاسري والمجتمعي والوطني. أما محاربة الغريب والاعتداء عليه لن يأتي بخير، لدينا عقول فذة وذكاء يُمكننا من فعل ما نريد كالتعمين والتحديث دون الحاجة إلى معادة أحد. 

-------------------------------

  جسر...

مفهوم أن الحياة غابة ويجب أن تكون ذئبا ماكرا لتعيش، فكر ابتدعه سكان العصر الحجري أو الغابات، ليستطيعوا أن يتعاملوا مع الحياة البرية، وصراع البقاء مع وحوش الأدغال وليس في مجتمع بشري متمدن. لقد انتُهكت القيم لأسباب كثيرة وعلى رأس تلك الأسباب الجهل، عندما أصبح الانسان يقدم ولاءه لإنسان آخر بعيداً عن الفكر والمبادئ ليحدث الاستبداد والاستعباد، إن سوء استخدامنا لا يعني بالضرورة فساد الشيء، فالولاء السليم يخلق الرقابة الذاتية، الابتكار، الابداع، الاستقامة، التفاني، الحب، السلام، الاستقرار وأكثر. عندما أتحدث عن الجهل لا أعني الأمية فهناك الكثير من حملة الماجستير والدكتوراه في غي الجاهلية والجهل.

"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".