عايدة الرواس تنهي "رحلتها الصامتة"

حمود بن سالم السيابي

جاءت من الفَيِّ الدمشقي بعد أن قلَّمتْ آخر تعريشة عنب وأفسحتْ لبردى لأن يباغت صباحات شجر اللوز.

وانتقلتْ ككل الأمويّات اللائي يتعشقن الشموخ من ذرى قاسيون إلى علياء مسقط، ونقلتْ معها إلى بيتها الجديد أزهى ما بالبيت الدمشقي من بركة تتوسط الفناء وأجمل ما بضيعات الغوطة من وردٍ وياسمين.

ورغم كل المجد الذي صاحب الانتقال من الذرى إلى الذرى صادقتْ الكاميرا فتدلَّتْ من رقبتها كأجمل حلية من حلي مصاغها، وجعلت من القلم الصاخب رفيق "الرحلة الصامتة".

ولعلّ من حسن حظ الصحفية الكبيرة الأستاذة عايدة الرواس أن أطلتْ على عُمان مع بواكير النهضة، والمدن تخرج لتوها من مرحلة الطين إلى الأسمنت، والوجوه لم تعرف بعد الوقوف طويلاً أمام المرايا لتتأنق في "التمصير" فسنحتْ لكاميرتها الفرص التي لا تتكرر في اقتناص عفوية الإنسان وبراءة المكان.

وقد التقيتُ الأستاذة عايدة الرواس في جريدة عُمان مطلع ثمانينيات القرن الماضي وكانت كقصائد نزار قباني في دمشق والدمشقيات.

والتقيتها في الدار المنيفة لمعالي عبدالعزيز الرواس فكانت لمساتها في تفاصيل تفاصيل الدار.

وكانت آخر الإطلالات على عمرِ لم أتبين أنه يودع وذلك في مارس من عام 2017 بمعرض مسقط الدولي للكتاب وهي توقع كتابيها وسط زحام مفتون بعالمها الساحر، كما عبرت عنه في كتابها "رحلة صامتة" وكتابها "وجوه وأمكنة".

وكان استنتاجي المتسرع أنها لم توفق في عنوان كتابها الأول إذ كان صاخباً بالألق، ومجسدا لمقولة أن للحيطان آذان، وأنه يسهب في الحديث عن حيطان بيتها وصباحاته وأقواسه وممراته بآلاف الألسن والعيون والآذان. 

والمتتبع لرحلتها في الكتاب سيطاله ضجيج مطارق البنائين وأزاميل النحاتين وتوتر الحرفيين الذين يطعمون الخشب بالأبنوس والصدف والفصوص.

وحين دخلت منصة دار السراة بصحبة الشيخ أحمد الرحبي كانت المنصة بحق لؤلؤة منصات المعرض فالتقينا هناك بالدكتور أنور الرواس الذي أخذنا في حصة أكاديمية مركزة عن العمارة في ظفار من خلال رحلة الإعلامية الكبيرة الأستاذة عايدة الرواس في كتابها الصامت الصاخب.

وحين تصفحتُ كتابها الثاني "وجوه وأمكنة" قامت قيامة الوجوه التي طواها الموت والأبنية التي آلت للسقوط.

وكان بين الدفتين الكثير من مقاصير النارنج وشجر التوت كالمروج التي يسقيها بردى والكثير من الظلال كظلة الصبح التي يمدها قاسيون، والكثير من الوجوه التي لم تقف أمام المرايا لتضبط التمصيرة ولا وازنت خطوط الحرير مع صنفات المصار .

إلا أنَّ أجمل ما بالكتاب هو ذلك الحلم الذي رصدته المصورة عايدة الرواس في العيون، والرؤى المشعشعة للغد المنتظر والذي صممت لتدخله بكل ثقة.

وحين علمتُ برحيلها تلبسني الحزن لوجه يضاف إلى الوجوه التي لن أراها إلا في كتابها "وجوه وأمكنة" فأدركتُ تعجلي في الانتقاد فالعنوان نبوءتها في الرحيل بصمت بعد أن ترك قلمها الكثير من الصخب المُحبب، وأودعت كاميرتها في ألبومنا الوطني الكثير من الظلال لأمسنا الغائر.

إنَّ الأستاذة عايدة الرواس ليست مجرد امرأة ترحل فنبكيها، بل رحلة جميلة تنتهي بصمت.

وكانت أميرة أموية بحق ولذلك عشقتْ في عُمان الإنسان والمكان وعشقتْ العنفوان.

تعليق عبر الفيس بوك