شرارة الابتكار المتوهجة في زمن "كورونا"

ترسيخ ثقافة الابتكار (8)

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

كان لتفشي جائحة كورونا وجه آخر غير الوجه السيئ القاتم الذي رأيناه ظاهراً بالعذاب، وجه باطنه فيه الرحمة برغم ما حملت قسماته الظاهرة من شر وقسوة، ثمَّة منافع وفوائد إيجابية انعكست آثارها في كشف معدننا الوطني، ومكاننا وموقعنا على خارطة العالم الجديد، تمخض من ويلاتها شحذ الهمم وشدها نحو الإبداع والابتكار، وشغف إيجاد حلول جديدة مُبتكرة للتعامل مع أزمة هذه الجائحة وتداعياتها على المشهد الداخلي العُماني.

أرادت جائحة كورونا أن نظهر لها حصاد ما غرسناه، وزرعناه، وحرثناه طيلة الخمسين عاماً الماضية، أرادت أن ترى مكاسبنا، وإنجازاتنا، وما بنيناه على أرض عُمان الصالحة، والذي نستطيع إشهاره في وجه أي أزمة، ونستعين به عند كل محنة.. فنهزم به الأزمات الاقتصادية العاصفة، وألا نعتمد على إيرادات النفط كمصدر رئيسي.!

وأخذت الجائحة فضول تلصصي لمعرفة المرحلة التي وصل إليها" البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي" ومستوى الاكتفاء الذاتي الذي حققته القطاعات الخمسية المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة (كقطاع الصناعات التحويلية، وقطاع الخدمات اللوجستية، وقطاع التعدين، وقطاع الثروة السمكية، وقطاع السياحة..) والمشاريع الاستراتيجية "كالمنطقة الاقتصادية بالدقم" ذات الأثر المباشر على نشاط الاقتصاد الوطني.

وأرادت أن تلقننا دروساً تنفعنا إن أحسنا الفهم وأجدنا التعلم، أرادت أن تفعل بنا كما فعلت ببعض حكومات دول العالم حين عرت زيف إمكانياتها الهشة التي كانت تتبجح بها في الرخاء، وجردت بهتان قدراتها الضعيفة على الصمود.. وفضحت رخاوة خطط إدارتها للمخاطر والأزمات.

إنَّ جائحة كورونا دفعت الصندوق العماني للتكنولوجيا لأن "يتصدر المرتبة الأولى للصناديق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالاستثمار في رأس المال الجريء المتخصص بالشركات الناشئة لتتقدم السلطنة إلى المرتبة الرابعة إقليمياً "

لقد حركت الجائحة المياه الراكدة للموانئ العُمانية التي غدت من الممكن أن تستقبل جميع بضائع دول العالم دون الاعتماد على موانئ دول أخرى.

كما أكدت الجائحة مدى أهمية الاستفادة من العصر الرقمي وخدمة الحوسبة السحابية، وسرعة الاستجابة لترتيبات التواصل عن بعد، بعد أن رأت الحكومة إلزام الناس منازلهم، وقلصت من أعداد الموظفين لمزاولة الدوام الرسمي في الكثير من المؤسسات العامة والخاصة بسبب هذه الأزمة، فكان التحدي الأكبر هو الحاجة لاستمرارية مزاولة هذه الأعمال بمختلف أنواعها لكي لا تتوقف حركة العمل، فكان الخيار البديل والأمثل هو الاستفادة من التقنية الحديثة سواء لاستمرارية العمل، أو لتمكين الطلبة من الدراسة في منازلهم، أو لعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل واللقاءات علمية وغيرها من أنواع التواصل.

كل هذه الاتصالات والمشاركات قد اتسمت بالمرونة وكسر قيود الزمان والمكان، وعدم الاعتراف بالمساحة الجغرافية بعد اللجوء إلى الحلول التكنولوجية مما نتج عنه اختصار الوقت والجهد والمال.. والترشيد في الإنفاق فيستطيع الإنسان الآن أن يسافر لحضور مؤتمر أو ورشة عمل في أمريكا مثلاً وهو في مكانه دون الحاجة لتجهيزات رحلة، وجهد سفر، وتكاليف تذكرة، وحجز إقامة، وتوفير نقل، ومعيشة وما شابه ذلك.

كان هذا الاستشهاد كميزة بعض الخصائص الإيجابية في التواصل عن بعد، مع أنه لا يخلو من بعض السلبيات وخاصة فيما يتعلق ببيئات العمل والتعليم فإنه يفتقر إلى جوانب إبداعية وابتكارية وانضباطية.. وضعف التفاعل والتجانس الاجتماعي، وغياب روح التنافس، وقلة تعزيز الإنتاجية، ودمج بعض الفئات دون الفئات الأخرى حسب المستويات والحاجة، إنما الغاية في توفر الوسائل البديلة المتاحة (كمهارات التواصل عن بعد) وإمكانية استخدامها بفعالية وكفاءة وقت الحاجة إليها. مما يتطلب تأهيل وتمكين الأفراد والمؤسسات لاستخدام تقنيات التواصل، وحسن توظيف العنصر التقني، ورفع مستوى كفاءته وبروز الفعالية الإدارية والفنية، وتحريك الطاقات المعطلة، وتهيئة القوى العاملة الحالية لاستقبال الجيل الرابع بما يتوافق مع متطلبات واحتياجات الأساليب المزمع استخدامها، والقدرة على التغلب على أساليب الإدارة القديمة في المجالات المالية والبشرية والإنتاجية والاقتصادية، وضرورة تهيئة البنية التحتية المناسبة لغاية العمل عن بعد، والتعلم عن بعد.. وغيرهن عند نشوب الأزمات والكوارث لا قدر الله.

في الختام.. لتفادي الآثار السلبية لأيِّ حدث من الممكن وقوعه مستقبلاً هو التنبؤ المسبق به والاستعداد الكامل له، وتطوير استراتيجيات إدارته .. ويبقى الابتكار الرائد الأول لتحسين جودة الحياة، والداعم الأبرز لتعزيز بنى الحياة الذكية ومعطيات تجلياتها المعرفية العصرية، وتحقيق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.