موظفون في مهب "التقاعد"

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

مئات وربما آلاف الموظفين الحكوميين ستتم إحالتهم للتقاعد قريبا، الموظفون الذين أكملوا ثلاثين عامًا سيتم تقاعدهم إجباريا ليحل مكانهم موظفون شباب جدد، سيتم التضحية بمن أكمل الثلاثين عاماً ليحلّوا مشكلة البلد الاقتصادية والمالية!!

وهذا أمر لابد منه، بل ومرحب به من قبل كثير من الموظفين لأنه عمل بطولي ووطني، أن تضحي من أجل البلاد، وتوظيف الشباب الباحث عن عمل، وتعيد دوران التوظيف، وتُجدد دماء الهيكل الإداري للدولة؛ وهو أمر لا اعتراض عليه، لو جاء ضمن ظروف أفضل، وميزات تقاعدية أحسن، ومكافآت ما بعد خدمة تراعي ظروف الموظف/ المواطن كما تراعي ظروف الدولة.

توقفَت الترقيات قبل سنوات طويلة، وبات الموظف ينتظر نهاية العام ليُضاف إلى راتبه الأساسي بضع ريالات، وانتظر الموظفون توحيد أو تحسين قانون تقاعد الخدمة المدنية المجحف، والذي لم يراعِ مُتغيرات الوقت، وحاجات ما بعد الخدمة، ولك أن تتخيّل موظفا عمل أكثر من 30 عامًا لخدمة الوطن ثم يُكافأ بمبلغ لا يزيد عن 12 ألف ريال عُماني، تنقص ولا تزيد، وقد لا يحصلون عليها دفعة واحدة!! أليس ذلك إجحافا في حق هذا الموظف الذي أفنى عمره في الوظيفة؟!! طبعاً هنا أتحدث عن الموظف الخاضع لقانون الخدمة المدنية دون سواه.

نعلم أنَّ الدولة تمر بفترة عصيبة تتطلّب من الجميع الوقوف بجانبها، ولكن الموظف لم يكن سبباً في هذه الأزمة، ولم يكن هو صاحب القرار، ولم يكن هو صاحب التخطيط لمشاريع لم يُكتب لها النجاح، ولم يكن هو طرفا في اتفاقات عُقدت، أو رؤى اقتصادية لم ترَ النور، أو قصر نظر لم يمد بصره إلى متغيرات الوقت، ولم يكن الموظف سببًا في عدم استغلال الموقع الاستراتيجي والسياحي للسلطنة، ولم يدعو إلى اعتماد كلي على النفط، وإهمال بقية الموارد المعدنية والثروات الطبيعية، ورغم كل ذلك فلابد من أن يُضحَى بهذا الموظف لأنَّ المسؤولين عن إدارة الأزمة المالية يرون أنه جزء من المال المهدور، ولأن رواتب موظفي الخدمة المدنية عالية، ولأن الإنتاجية قليلة، ولأنه يجب توفير أي مبلغ بأي طريقة لكي تسير السفينة، رغم أن ذلك ليس قانونيا لأن كثيرا من هؤلاء الموظفين لم يبلغوا سن التقاعد الإلزامي وهو الستين عاماً، كما أن ذلك سيحمّل الدولة عبئا ماليا إضافيا.

ولكن مهلاً.. فقبل أن يتم ذلك الأمر، وقبل أن يجني هذا التقاعد على موظفين خدموا الدولة لسنوات طويلة، فإنَّ على الحكومة أن تسرّع في إنجاز قانون ملائم للخدمة المدنية، وعليها أن تسارع لتعديل مكافآت ما بعد الخدمة، وعليها أن تضع بعض الامتيازات التي يمكن أن يستفيد منها الموظف المتقاعد مبكراً، فهناك من بقي من مدة خدمته عشر سنوات، وهو قد برمج حياته وقروضه الشخصية على هذه المدة، وهناك من يعتمد اعتمادا كليا على الراتب وليس له دخل آخر، وهناك من عليه التزامات مالية كبيرة سيجد نفسه في محنة كبيرة حال تقاعده الذي لم يحسب له حساب.

قامت السلطنة على مبدأ الإنسانية، وهو مبدأ عظيم، وهي لن تترك أبناءها في مهب الريح، ولن تخلق أزمة لمن خدمها طوال عمره، ولن تتخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، ولن تذكرهم في السراء، وتنساهم في الضراء، فالدولة- والحمد لله- لديها موارد وثروات اقتصادية كبيرة، وبعضها غير مستغل بشكل مناسب، ولديها قدرات بشرية وإدارية تستطيع أن تفعل الكثير لدفع عجلة التنمية والاقتصاد للبلد، وتفخر بقائد كفء هو حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وهو قادر على إدارة دفة السفينة في أصعب الظروف، والجميع يضع ثقته، وأمله عليه، وهو أهلٌ لذلك.. ولا شك أنَّ الموظفين الذين سيشملهم القرار سيتقبّلون الوضع بصدر رحب، ومسؤولية كبيرة، ولكن على الحكومة في المُقابل أن تنصفهم بمميزات تقاعدية أفضل مما هي عليه الآن، وألا يكونوا هم الضحية القادمة لهذه الأزمة.