"كورونا" وتقنية المعلومات والاتصالات

 

عبيدلي العبيدلي

على نحو مفاجئ، ودون سابق إنذار، هاجم فيروس كورونا المستجد الإنسان، وراح يتفشى، بسرعة مذهلة، في أنحاء العالم كافة. الذي وجد نفسه، وعلى نحو مباغت، وفي سرعة تفوق سرعة البرق، أمام زلزال من نوع جديد، يهدد أسس النظام الدولي، ويتوعد بتهاوي كل مجتمع على حدة. السمات العامة التي ميزت هذا الوباء وطريقة انتشاره عن سواه من الأوبئة الأخرى التي واجهها الإنسان يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- القدرة على التمويه بمعنى أن المصاب، وكذلك المحيطين به، غير قادرين على اكتشاف الإصابة بذلك الفيروس، في الوقت المناسب، رغم انتشاره في جسد المصاب.  ومن ثم، فمن غير المستبعد أن يمارس ذلك المصاب دور الوعاء الذي يحتضن الفيروس وينتقل به، ومن ثم ينشره في أوسع دائرة ممكنة، يحدد محيطها طبيعة عمل ذلك الإنسان الناقل، دون أن يكون هذا الأخير ومن يحيط به على علم بذاك. هذه القدرة التمويهية، أسهمت بدرجة كبيرة في سرعة الانتقال، وتزايد عدد المصابين بسرعة تكاد أن تقترب من تلك الفلكية.

2- فاعلية طرق ذلك الانتشار، رغم ما يبدو من سهولة طرق الوقاية. إذ يلجأ الفيروس إلى أكثر من وسيلة لاصطياد فريسته الجديدة، تبدأ بالاتصال الجسدي المباشر، ولا تتوقف عند التقاط الرذاذ المنبعث من أكثر من عضو من أعضاء المصاب، الأمر الذي يعقد من وسائل المواجهة، بما فيها طرق التعقيم، مهما بلغت جودة استخدامها.

3- عدم التمييز عند اختيار الضحية، والمجتمع الذي يهاجمه، فوجدناه ينقض على المسن، لكنه لا يستثني الرضيع، على الرغم من تفاوت نسب الإصابة في مختلف الأجيال. وبالقدر ذاته، لم يحصر نفسه في مجتمع دون آخر، سواء بفضل التفاوت في التقدم، أو التباين الاجتماعي أو حتى الفوارق في درجة مستوى الخدمات الصحية التي يستأثر بها سكان دولة مقارنة بدولة أخرى. تحول كل هؤلاء إلى هدف ضعيف أمام فيروس هذا الوباء.

4- شمولية التأثير؛ بحيث لم يستثنِ الفيروس دولة، إلا فيما ندر، لم يكسر حواجز حدودها، ويقتحم مجتمعاتها. فشاهد العالم ضحاياه، التي لم يميز ذلك الفيروس بين انتمائهم الديني، ولا انحدارهم العرقي، ولا مستوى تقدمهم الاقتصادي أو الاجتماعي. وكان نتيجة كل ذلك ما يشبه الشلل الدولي، الذي يهدد بكارثة عالمية تتوزع على ثلاث محاور: اقتصادية/مالية، سياسية، اجتماعية.

5- بخلاف الأوبئة الأخرى التي لا تقل عنه فتكا، ولَّد كورونا المستجد أزمات سياسية وليس صحية فحسب، ولم تنحصر تلك الأزمات في نطاق سياسي واحد، بل وجدنا دائرة تأثيرها تتسع لتشمل دول العالم، بما فيها دول كبرى مثل الصين والولايات المتحدة. ففي البداية لمس العالم ذلك الشرخ الذي لم يتوقف عن الاتساع بين الرئيس الأمريكي ومسؤولي الولايات، حيث شاهدنا ما يشبه التمرد السلمي الباحث عن هامش أوسع من القرار الذاتي الذي يكرس نوعا من الاستقلالية لكل ولاية أمريكية على حدة، في مقابل المركزية التي كان من المفترض أن يتمتع بها الرئيس المنتخب التي تبيح له السيطرة على المستوى القومي. على نحو مواز لم تستطع أي من الصين، ولا حتى الولايات المتحدة، أن تخفيان محاولة كل منهما محاولة إلصاق التهمة بالآخر، فاقت في طبيعتها تلك التي كانت تسود مرحلة الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بين معسكري واشنطن، وموسكو. والمخيف في مثل هذه الأزمات صعوبة التكهن بما يمكن ان تؤل إليه؛ إذ تنذر بصدامات مباشرة بين دول عظمى، دون أن تستثني حروبا طويلة الأمد تلجها دول صغيرة بالوكالة.

6- انتعاش قطاع صناعة تقنية المعلومات والاتصالات. فبخلاف القطاعات الإنتاجية الأخرى التي عانت من ركود تجاري غير مسبوق، شهدت صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات حضورا على مستويين متكاملين: الأول منهما كما جاء في تقرير صادر عن مؤسسة جارتنر نقل تفاصيله موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، يقول، توصي مؤسسة جارتنر بأن يركز مديرو تقنية المعلومات، في مواجهتهم لتداعيات تفشي الوباء "على اتخاذ ثلاثة إجراءات على المدى القريب بغية دعم العملاء والموظفين، وتأمين أدوات التعاون الرقمي وعناصر التحكم في أمن المعلومات ودعم الشبكة".  أما موقع جريدة "الرؤية" الإماراتية، فيدعو إلى أنه لا بد، من أجل تحقيق الهدف ذاته، على المدى الطويل "وضع إستراتيجية مثالية لبيئة العمل الرقمية تتضمن التطبيقات التشاركية، وعناصر التحكم في مستوى الأمان، وبرامج العمل باستخدام الأجهزة الشخصية، ودعم الشبكة، وتحديد نماذج التوظيف البديلة والتقنيات الرقمية القادرة على تمكين الموظفين وأتمتة المهام"، من أجل التغلب على كل ما يمكن أن تواجهه أية مؤسسة ترفض الرضوخ لأية لشروط يمكن أن يفرضها تفشي جائحة مثل التي رافقت وباء كورونا.  وليس هناك من دليل يؤكد على مثل هذا الانتعاش الذي شهده هذا القطاع أقوى من تصريح شركة أمازون الذي أكدت فيه "إن تفشي فيروس كورونا تسبب في زيادة كبيرة في عمليات التسوق عبر الإنترنت، مما أثر على إمكانية الشركة العملاقة لمواكبة الطلب، ودفعها لإضافة 100 ألف وظيفة جديدة بدوام كامل وجزئي في الولايات المتحدة الأمريكية. وستتركز الوظائف الجديدة في مراكز تلبية طلبات أمازون وشبكة التوصيل الخاصة بها، ما يعني أن احتياجاتنا من العمالة غير مسبوقة لهذا الوقت من العام".

7- فرض ممارسات جديدة في المؤسسات التي لجأت إلى تقنية الاتصالات والمعلومات كي تغطي العجز الوظيفي الذي ولدته سياسات الإغلاق العام الي لجأت لها نسبة عالية من الدول من أجل محاصرة الوباء والحد من سرعة انتشاره، وتقلص من دائرة ذلك الانتشار. ولهذا وجد العام كله نفسه أمام ظاهرة غير مسبوقة، ولدها انتشار ذلك الفيروس، وهو اضطرار المديرين، بمن فيهم كبار السن، ومن كانوا يرفضون إدخال التكنولوجيا في مؤسساتهم، "يتشدقون" باستخدامها، ولا يكفون عن التباهي بجدوى مردودها الربحي بفضل إنجاز الأعمال بفضل استخدامها.

إنْ دل ذلك على شيء، فهو أن صناعة تقنية المعلومات والاتصالات هي المستقبل، وما سوى ذلك لا يعدو تفاصيل لا تستحق حتى مجرد التوقف عندها.