الصحافة بين التخصصية والقيود والشفافية

 

 

سالم كشوب

sbkashooop@gmail.com

يحتفلُ العالم في 3 مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، في تقليد تمَّ اتباعه منذ عام 1993، بتوصية من منظمة اليونسكو، وبموافقة من قبل منظمة الأمم المتحدة، ولإحياء ذكرى إعلان ويندهوك بنامبيا، الذي كان بمثابة دعوة لأهمية ودور الصحافة في نشر الحقيقة، وأهمية توفير المناخ الملائم للعاملين في مهنة المتاعب أو السلطة الرابعة؛ حيث يحمل شعار هذا العام "الصحافة من دون خوف أو محاباة".

وعندما نُقارن خلال الفترة الزمنية الممتدة من 1993 إلى الآن، نجد أنَّ الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص، أصبحت غير مُقتصرة على العاملين والمتخصصين في مجال الصحافة والإعلام، وأصبح أي فرد بإمكانه جعل صفحته الشخصية منبرًا ووسيلة لنشر المعلومات والرسائل التي يرغب في إيصالها للمتلقي؛ وبالتالي أصبحت هذه المهنة للأسف ليست حكرا على المتخصصين في مجال الإعلام، إضافة إلى صعوبة تقييد وسائل التواصل الاجتماعي في نوعية ومضمون المحتوى المنشور. وهنا، لابد من توعية المجتمع وأصحاب هذه المواقع بأهمية الرسائل التي تُبث، والحرص على أخذ المعلومة من مصادر رسمية ومعتمدة وليست شخصية أو غير مهنية ومحترفة للعمل الإعلامي، وهنا لا نُنكر دور الكفاءة والموهبة في وجود بعض المبدعيين غير المتخصصين العاملين في المجال الإعلامي، ولكن يظلون يحترمون عقلية المتلقي ونوعية المحتوى والمضمون المقدم الذي يتَّسم بالمصداقية والشفافية والطرح الهادف البعيد عن البهرجة والمصالح الشخصية، وبشكل مهني واحترافي.

وبالمقابل، سحب الاعلام الحديث والصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي البساط من الصحافة الورقية؛ وبالتالي لابد من إعادة هيكلة العمل في وسائل الإعلام التقليدي، والتماشي مع التطورات الحاصلة، وفتح نوافذ إلكترونية تستطيع من خلالها إيصال رسالتها السامية باستخدام التقنيات الحديثة.

وعندما نعُود لشعار هذا العام في اليوم العالمي لحرية الصحافة "الصحافة من دون خوف أو محاباة"، نجد أنَّ هذه المسؤولية مشتركة بين مختلف الجهات التي يتعامل معها الإعلامي بشكل عام والصحفي بشكل خاص؛ من خلال تبنِّي شراكة حقيقية أساسها الإيمان بدور وأهمية الإعلام وإتاحه كافة البيانات والمعلومات، والتفاعل والتعاطي الإيجابي مع العاملين في الحقل الإعلامي؛ واعتبارهم شركاء مهمين في إيصال الرسالة الحقيقية لتلك الجهات، وليسوا أعداء أو متصيدين للأخطاء وباحثين عن إثارة المجتمع ضد هذه الجهات، وبين حرص العاملين في المجال الصحفي على إيصال الرسالة وفق الثوابت والأسس التي درسها وتعلمها في الحقل الإعلامي، والمبنية على نقل الصورة الحقيقية، وتوضيح ما قد يكون مبهما لدى المجتمع وإيصال رسالته وهمومه بدون أي تحريف أو تعدٍّ أو تجريح شخصي للعاملين في مختلف الجهات.

وبالتالي؛ من الأهمية عدم تحجيم حرية العاملين في مجال الصحافة، وإتاحة كافة المعلومات التي تعينهم في توعية المجتمع، وإيصال الرساله بكل شفافية وبعيدًا عن أي أهداف شخصية أو غير موضوعية، وكذلك حرص الصحفي على أن لديه قيمًا ورسائلَ وأهدافًا نبيلة لا تتأثر أو تتغير، وتظل هي أساس عمله مهما كانت الظروف المحيطة بعمله وواجبه المهني النبيل الذي يتطلَّب الشفافية والاعتدال والموضوعية في الطرح المقدَّم دون أي محاباة أو تمييز لطرف أو جهة على حساب الطرف الآخر أو المجتمع؛ الذي أصبح واعيا بمضمون الرسائل الموجهة، وقادرا على التمييز بين الجهة والوسيلة التي تنقل له الحقيقة بشكل موضوعي، وتُسهم في إيصال صوته واستفساراته وملاحظاته، وتسهم في التوعية الإيجابية البعيدة عن المجاملات أو النقد غير الهادف، وبين الدخلاء في هذا المجال الذين يحاولون البحث عن الشهرة والمصلحة الشخصية؛ من خلال طرح محتوى غير هادف، واستخدام المصطلحات والعبارات التي قد تستثير بعض أفراد المجتمع، لكن بدون أي مهنية أو مضمون، وللأسف يجدون من يُساندهم ويدعمهم من بعض الجهات والمسؤولين الذين يعتقدون أن استمالة وكسب بعض أصحاب الحسابات والمواقع الذين لديهم متابعون هو الحل السحري لإخفاء تقاعسهم وعدم قيامهم بعملهم المناط بهم على أكمل وجه، متناسين أن الرقابة تبدة من الشخص المسؤول أولا قبل الغير.

وختاما.. يظلُّ الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص، لهما دور مهم في الجانب التوعوي والتثقيفي، وبمثابة الرقيب الشعبي على أداء مختلف الجهات؛ وبالتالي لابد أن يتماشى مع التطورات الحاصلة في العالم في الجانب التقني والتكنولوجي، وبشكل يُسهم في التقليل من نسبة انتشار الأخبار والشائعات وضمان كسب ثقة وولاء المجتمع؛ من خلال طرح ومناقشة القضايا المختلفة بمصداقية وموضوعية ومهنية، وبما يخدم كافة الأطراف وفق الأسس والثوابت التي بني عليها الإعلام وليس لخدمة طرف ما، إضافة لأهمية توفير المناخ المحفِّز والمشجِّع للعاملين في هذا القطاع؛ سواء في الجانب المادي أو القانوني والتشريعي، وبشكل يُسهم في سرعه نشر المعلومة، وإتاحتها للجميع، وعدم حصرها في جهة أو أفراد معينين.

من أقوال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: "لا حرية دون مسؤولية".