الاعتداء على البيئة ووباء كورونا!

 

عبد الله العليان

لا شك أنَّ هذا الكون وما فيه من موجودات بشرية وحيوانية ونباتية، كل لا يتجزأ ولا يقبل الفصل أو الإقصاء، في تكاملهما مع بعض، فالكل يتأثر بما يحبط به من مؤثرات وتغيّرات، بما يجري فيه، سواء في محيطه الأرضي، أو في الفضاء الجوي المفتوح أو غيره، مما لا ندركه كبشر، قال تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتا)، وهذا يعني أنَّ البشر، جزء من كل متعدد ومتنوع في هذه المخلوقات.

صحيح أنَّ الإنسان هو الأكثر سيطرة في هذا الكون، لأسباب معروفة وبديهية، لكنه ليس هو الذي يتحكم في كل ما يدور ويتحرك فيه، فنهاك الكثير مما لا يدركه هو، ولا هو أيضاً الأقدر على وقف ما قد تمتلكه تلك الطبيعة أو الفطرة، ومما لا يعرفه من مخلوقات قد تظهر دون أن يكون للبشر القدرة على صدها قبل ظهورها ـ كورونا نموذجاً ـ وهذا يعني بمقاييس تلك الأمم الأخرى وإمكانياتها في هذا الفضاء الكوني، أنه لا أحد يعرف ردود فعلها على انتهاكات وعدوان غيرها على حدود تلك المخلوقات التي تعيش في هذا الكون.

فالإنسان بحسب المعلومات والتقارير المهتمة بالبيئة وبالطبيعة في مملكة الحيوان والنبات على وجه الأخص، أن هناك انتهاكات بشرية خطيرة، وربما منذ مئات السنين، وتعمل على تدمير الكثير من النباتات والحيوانات وغيرها، وليس هذا فحسب، بل يمتد إلى محو البيئة تمامًا من أن تعود كما كانت، وهذه بلا شك مخاطر جسيمة، على الإنسان نفسه أيضاً، فما بالنا بالمخلوقات الأخرى في الكوكب، ففي الفضاء الكوني تلتقي كل الموجودات، في الوحدة السببية، وفي حالة الخلق والإنشاء، فهي حكمة ربانية، ولديها من القدرات ـ كما أشرنا آنفاً ـ ما يجعلها، تندفع للثأر لنفسها من العدوان وبطريقة عنيفة مُضادة أحياناً، وبحسب ما تملكه من أدوات للرد والمواجهة، وعندما نشاهد في بعض برامج الحيوانات في الأفلام الوثائقية، كيف يثأر الحيوان لنفسه بما زوده الله من قدرات ووسائل، من الحيوانات الأخرى، وحتى من الإنسان، والوقائع، في هذا الجانب كثيرة ومتوافرة، لمن يُريد أن يتعرف على القدرات التي تمتلكها المملكات الحيوانية للدفاع عن نفسها، بطريقة ردود فعلها على ما يجري من اعتداء.

ومن أهم الآثار والمخاطر التي جلبها الإنسان على نفسه أولاً، فالمعاناة المستمرة الكبيرة على الطبيعة، بسبب الجشع المادي، من جانب أنصار السوق وجمع الثروات دون مراعاة الجوانب الأخرى المتصلة بالبيئة الطبيعية، وكذلك من الجماعات الفقيرة التي حرمت من لقمة العيش الكريم، بسبب النظم الجائرة، والسياسات الخاطئة في غياب العدل واستشراء الفساد، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، وهذه قضية معروفة لا تحتاج إلى تفصيل من خلال التقارير الدولية، وهذا ما أدى إلى فقدان الطبيعة في البيئة الكثير من الأحياء والنباتات فيها، التي هي جزء من حياة الإنسان وحركته ونشاطه وسعادته، وهذا الفقد للتوازن أسهم إسهاماً كبيراً في زيادة الفقر في العديد من القارات، ودفع إلى الحروب والصراعات والتوترات، في غياب الاستثمار الرأسمالي للكثير من الموارد الطبيعية، واستخدام التقنية الحديثة في تدمير البيئة بسبب الاستغلال الجائر وغير المحدود. وقد حذرت الكثير من المنظمات الدولية المعنية بالبيئة ومكافحة التصحر جراء النهب الجائر للثروات الطبيعية التي تجري، في الكثير من بلاد العالم، وأن آثارها ستكون وخيمة على الطبيعة وعلى الإنسان وعلى المناخ أيضًا، ومنذ عدة سنوات أصدرت منظمة التغذية والزراعة (الفاو) تقريرا لها، حذر من أن "الغابات في بعض الدول سوف تختفي من الوجود بعد سبعين عاماً، إذا استمر جثّ الأشجار على وتيرته الحالية، كما سوف يتعرض لخطر الانقراض أكثر من مليونين ونصف المليون من أجناس الحيوان والنبات بحلول 2030، إضافة إلى التدمير المرتقب لمعدل المناخ العالمي".

وهذه الأزمات التي تأتي بين الحين والآخر، لا تأتي من فراغ، ولا الكلام الذي ينقل هنا وهناك، عن هذا الوباء من أنه مؤامرة من دولة إلى أخرى! وهذا للأسف من الردح الإعلامي، الذي لا ينطلق من معلومات علمية أو طبية، بل إنها تقع في شراك الإعلام الموجه، الذي تستخدمه الدول لأغراض سياسية، في ظل الخلاف السياسي والاقتصادي.

الحقيقة أنَّ فكرة الأخطار من الفيروسات الخطيرة، التي قد لا تعرف كثيراً كقضية متداولة في الوسط الإعلامي، لكنها ليست غائبة عن أهل العلم من المتخصصين في علوم الأحياء أو النباتات بصفة عامة، فقد كتب العالم في بيئة الأمراض بيتر داشاك منذ عدة سنوات في "نيويورك تايمز": كيف أنّه خلال اجتماع لمنظّمة الصحّة العالميّة أوائل 2018، صاغت مجموعة من الخبراء التي ينتمي إليها عبارة "مرض أكس". وأوضح أنّهم كانوا يشيرون إلى الجائحة (pandemic) التالية والتي سيُسبّبها عامل مُمرِض جديد ومجهول لمّا ينتشرْ بعد بين السكان. وقال حينها إنّ المرض إكس سينتج عن فيروس منشؤه الحيوانات وسيظهر في مكان على هذا الكوكب حيث تقود التنمية الاقتصاديّة إلى التقريب بين الناس والحياة البرية. وسيتمّ الخلط بينه وبين أمراض أخرى في البداية قبل أن ينتشر بسهولة وبسرعة مستغلّاً شكبات السفر والتجارة ويحبط محاولات الاحتواء. وأضاف: "سيهزّ الأسواق الماليّة حتى قبل أن يبلغ حالة الجائحة. باختصار، كوفيد-19 هو المرض أكس." وهو ما نتج عن هذا الفيروس المسمى بـ(كورونا المستجد)!

إذن الاعتداء على البيئة بما فيها من حيوانات، تعيش في تلك الأماكن الطبيعية، منذ مئات أو آلاف السنين، وتدميرها تماماً، لا بد من تتأثر- كما قلت- بما يجري لها، وتلك سنة الله في خلقه، فكل مخلوق، مزوّد، بالقدرات التي تناسبه في الدفاع عن نفسه، ولذلك على الإنسانية أن تراجع فعلها وظلمها وعدوانها، على الفطرة الطبيعية في هذا الكون، وإلا سنبقى في هذا المربع من الأزمات الفيروساتية المتكررة بين الحين والآخر، فالإنسان ليس وحده، بل هناك أمم أخرى تعيش معه وإلى جواره!