مدرين المكتومية
تصاعدت أصوات عدد من الدول الغربية مثل ألمانيا وأمريكا والمملكة المتحدة، بمطالبة الصين بدفع مليارات الدولارات تعويضا لجميع الدول المتضررة من تفشي فيروس كورونا، والتي تكبّدت خسائر فادحة في الاقتصاد وفي الأرواح ايضا.
وقد نشرت صحف ألمانية مطالبات بتغريم الصين 136 مليار يورو، كما رفع الكثير من الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية قضايا بعشرات المليارات كتعويض من الصين نتيجة ما تكبدته من خسائر، فهل يمكن القول بصحة هذه الإجراءات؟ وهل فعلا الصين مسؤولة؟ وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لم تتم محاسبة الدول التي ظهر فيها فيروس الإيدز أو فيروس إيبولا أو فيروس زيكا أو غيرها من الفيروسات التي هددت البشرية خلال السنوات والعقود الماضية؟
إنّ هذا السيناريو الذي هو في طور التحقق الآن يمكن قراءته في سياق التوترات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، وهو ما يدفع البعض إلى اتهام الصين بأنّها من قامت بنشر هذا الفيروس!! ومما يعزز من مصداقية هذا الطرح أنّه تم تكليف لجنة تابعة بالأمم المتحدة لإجراء تحقيق حول مصدر هذا الفيروس! في وقت تشير كل أصابع الاتهام إلى الصين، رغم أنّ الصين لن تقبل أو حتى لن تتمكن من دفع هذه التريليونات من التعويضات، وستكون في موقف استفزازي لا يمكن لأحد توقع ردة الفعل، وقد تشتعل حرب إذا شعرت بكين أنّ الخناق يضيق عليها من الدول الغربية، وهذا ما يخشى المراقبون والمحللون من حدوثه، إذ تشير تقديرات إلى أنّ العالم على شفا حرب عالمية ثالثة!
الواقع والتاريخ يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أنّ الحرب لم تكن يوما وسيلة لتحقيق استقرار، بل إنها تدمر الأخضر واليابس، لذا لا يجب أن يفكر العالم الآن في الانتقام؛ فالأمر ليس كما يهوّن البعض بأنّه مجرد تحقيقات أممية توجه أصابع الاتهام إلى بلد دون غيره، لكن سيكون ذلك بمثابة الفتيل الذي سيشعل الشرارة الأولى لحرب كونية، ستكون بمثابة نهاية لهذا العالم، وعندئذ لن يتمكن العالم من الخروج من هذه الأزمة المأساوية وستحل الفوضى في كل شبر من كوكبنا، وسيسود عدم الاستقرار وسيموت الناس إما جوعا أو حرقا أو قتلا بالرصاص وقنابل الغاز.. الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، سنكتشف أنّ إنسان الغاب كان يعيش قبل آلاف السنين حياة أكثر استقرار من السيناريو القاتم الذي قد يحدث مستقبلا!
الصين وهي دولة نووية لن تدفع تعويضات، وربما تهدد بإشعال حرب نووية، عندما تجد نفسها في مأزق لا مفر منه؛ حيث ستتكالب عليها الدول العظمى والمتحالفون معها.
ولذلك.. فإنّ البديل أن يتكاتف العالم وأن تتوحد الجهود وأن يتم إنشاء صندوق عالمي لمكافحة وباء كورونا وجميع الأوبئة التي قد تحل بالبشرية في المستقبل، يتم من خلال هذا الصندوق جمع التبرعات والمساهمات من دول العالم، فالوقت الآن يستدعي الوحدة لا الفرقة، التعاون لا التناحر، الإيمان بفكرة فريق العمل الواحد، لا الفردانية.
لقد اكتوى العالم في عقود ماضية بنيران الحروب في الحرب العالمية الأولى والثانية اللتين أودتا بحياة الملايين من البشر وأحالتا مدنا إلى أنقاض، وغيّرت التركيبة الديموغرافية في الكثير من دول العالم، وأنشأت في النهاية نظامًا عالميًا يعتمد على قوتين متناحرتين ومجموعة من القوى الأخرى المتحالفة مع كل منهما، وتسبب ذلك النظام العالمي في إشعال فتيل الحرب الباردة التي وصلت لنهايتها مع انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ونتج عن ذلك نشوء عالم ما بعد الحرب الباردة المعروف اصطلاحا بالعالم "أحادي القطب"؛ فتزعّمت الولايات المتحدة العالم، وظلت تمارس هيمنتها على كل شبر في أرجاء المعمورة.
إنّ فكرة العالم المتعدد الأقطاب لن تعود وسينتهي بنا المطاف إلى انهيار عالمي لجميع الدول في ظل الركود الاقتصادي الحاد، وتحطم مفاهيم العولمة. ولذلك أعود وأؤكد أنّه لا بديل عن توحد الجهود وأن تتعاون الدول لكي ترسم مسار العالم الآمن والمستقر للعقود المقبلة؛ كي تحيا البشرية في سلام، بعيدا عن شبح الحرب العالمية الثالثة.