د .خالد بن علي الخوالدي
في الوقت الذي يتسابق الجميع إلى مساعدة الحكومة في التحكم والسيطرة على انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) تتسابق فئة من البشر لحيازة الأراضي العامة للدولة مُستغلين انشغال المؤسسات المعنية بمعالجة أوضاع هذا الفيروس الخطير، وقد ظنوا أنها قطعة كعك (بنكهة كورونا) لابد أن يأخذوا منها نصيبهم فحازوا الأراضي في الظلام الدامس، وقد كانت هذه الجهات على دراية بهذا ليتم تحويلهم إلى الادعاء العام لينالوا جزاء ما اقترفته أيديهم.
وللأسف الشديد أن هناك فئة من الناس لا تنظر إلى قضية الحلال والحرام إلا من منظور مصلحتهم الشخصية، فما يحقق لهم مصلحة معينة يدخلوه في نطاق الحلال وإن كان حرامًا والعكس صحيح وإلا من يفسر ما يقوم به البعض من الاعتداء الصريح على أراضي الدولة البيضاء دون مُراعاة لأمور شرعية ربما تهوي بصاحبها إلى غضب الله سبحانه وتعالى.
إنَّ القوانين الربانية تحرم الاعتداء على أموال الغير إلا بالحق ويتساوى في ذلك المسلم وغير المسلم، ويتساوى بصفته الإنسانية أو بصفته الاعتبارية ككيان حكومي أو خاص أو أهلي أو غير ذلك فالجميع مصانة حقوقه مع رب السموات والأرض، كذلك هو الأمر في القوانين البشرية التي تُعاقب على هذا الاعتداء، ولا يظن المواطن أنَّ الأرض الحكومية حق مشاع لمن أراد أي أرض ما عليه إلا أن يقوم بتسويرها أو زراعتها بأشجار النخيل الباسقة الطول حتى يوهم الجهات المختصة أنَّها أرض قديمة فهذه الحجج ولت بدون رجعة ولا يُمكن بها خداع الجهات المختصة، وأنَّ الحيازات غير القانونية للأراضي الحكومية البيضاء اعتداء مُباشر على مقدرات الوطن ومقدساته، فحيازة أراض حكومية بطريقة غير مشروعة أمر يجرمه القانون، ويفرض له عقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات، لكل من تسوِّل له نفسه ويتعدى على حرمة المال العام، مع إزالة تلك الحيازات.
لقد أشار المغفور له صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- في إحدى جولاته السامية بالولايات وتحديدا في عام 1989م، إلى أمر الحيازات غير القانونية للأراضي البيضاء والأراضي الزراعية منوهاً جلالته إلى أنَّ هذا الأمر غير جائز ولا يمكن أن يسمح به حيث يقوم البعض بالشهادة لبعضهم الآخر بغير حق وهي شهادة زور وهذا التعاطف بالطرق غير الشرعية غير مرغوب فيه بتاتا والأرض هي أمانة وعلينا ألا نفكر في أنفسنا فقط وعلينا أن نفكر في المستقبل والأبناء، وهذا فكر جلالته منذ تولى الحكم في البلاد والذي لم يتغير طوال سنوات حكمه الرشيد حتى اختاره الله حيث يؤكد دائماً أنَّ ثروات هذا الوطن ليست لهذه الأجيال فقط وإنما هي أيضاً حق مصان للأجيال القادمة، والأراضي الحكومية البيضاء هي حق لنا وللأجيال الناشئة فلنحافظ عليها ولا نسمح لأحد بالاعتداء عليها، والمحافظة على المال العام مسؤولية وطنية مُشتركة للجميع، وعلى من يعرف أي شخص يقوم بحيازة غير مشروعة لأرض حكومية فمن الناحية الأخلاقية والوطنية عليه الإبلاغ عنه لدى الجهات المختصة.
وإن كانت هذه التصرفات غير جائزة ولا مقبولة في أوقات الرخاء فإنها تدل على دناءة النفس وتعمق الأنا في الأوقات الحرجة التي تمر بها البلاد من أزمة اقتصادية ومالية بسبب فيروس كورونا فبدلاً من أن نكون عونًا للمساعدة نشتت الجهود ونستغل الأوقات في سرقة المال العام نهاراً جهارًا، فليتقي الجميع الله في ما أؤتمنوا عليه وليحافظوا على ما أنجز في الوطن الغالي ولنكن صفاً واحدًا في مواجهة كل من تسول له نفسه الاعتداء على مقدرات هذا الوطن، ودمتم ودامت عمان بخير.