نشرتها مجلة "نيتشر" الطبية حول أدوات التشخيص والعلاج

دراسة عالمية: لا بديل عن التقنيات الرقمية لمكافحة "كورونا"

◄ الحاجة ملحة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير خدمات الرعاية الصحية

◄ سلاسل الكتل وإنترنت الأشياء يبشران بطفرة طبية هائلة

◄ بلدان العالم وقعت في خطأ إجرائي عندما اتبعت الوسائل التقليدية في مكافحة "كوفيد-19"

◄ استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي كأداة فحص أولية للحالات المشتبه فيها

◄ يمكن فرز مرضى "كورونا" إلى 3 مجموعات حسب شدة الأعراض

◄ التقرير يوصي بتطبيق التقنيات الرقمية لحماية البشر من الأمراض

غلاف المجلة.png
غلاف العدد الأخير من مجلة نيتشر الطبية (الإصدار 26- أبريل 2020)

ترجمة- رنا عبدالحكيم

أكد فريق علمي أن التقنيات الرقمية قادرة على مكافحة وباء كورونا المستجد "كوفيد-19"، مشيرين إلى أن الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل، وإنترنت الأشياء من بين تلك التقنيات التي يتعين على الحكومات ومؤسسات الصحة العامة اللجوء إليها.

وأعد الفريق- الذي يضم مجموعة علماء من جامعات دولية- بحثا علميا بعنوان "التقنيات الرقمية وكوفيد-19"، ونشرته مجلة نيتشر "Nature" الطبية بقلم دانيال شو وي تينغ، ولورانس كارين، وفيكتور دزاو ،وتين واي وونغ.

ويبدأ التقرير بالقول إنه كان من المؤمل أن يكون عام 2020 بداية لعقد مثير في مجال الطب والعلوم، في ظل تطور ونضج العديد من التقنيات الرقمية التي يمكن تطبيقها لوضع حلول للمشاكل والأمراض السريرية الرئيسية.

وتتضمن هذه التقنيات الرقمية إنترنت الأشياء (IoT) مع شبكات اتصالات متقدمة (مثل 5G) وتحليلات البيانات الضخمة  والذكاء الاصطناعي (AI) الذي يوظف التعلم العميق؛ وتكنولوجيا سلاسل الكتل Blockchain. وجميع هذه التقنيات مترابطة للغاية، فانتشار إنترنت الأشياء (على سبيل المثال في الأجهزة والأدوات) بالمستشفيات والعيادات يسهم إنشاء نظام بيئي رقمي مترابط للغاية بسهولة، مما يتيح جمع البيانات في الوقت الفعلي على نطاق واسع، ومن ثم استخدامها بعد ذلك عبر الذكاء الاصطناعي لفهم اتجاهات الرعاية الصحية، ونماذج جمعيات المخاطر والتنبؤ بالنتائج. وسيتم تعزيز ذلك من خلال تقنية سلاسل الكتل Blockchain، وقاعدة بيانات مرتبطة ببروتوكولات التشفير وشبكة من أجهزة الحاسوب الموزعة في منظمات مختلفة، مع دمج شبكات "P2P" لضمان نسخ البيانات في مواقع فعلية متعددة، مع خوارزميات معدلة تكفل تأمين البيانات، مع إمكانية تتبعها.

لكن السؤال: كيف يمكن معالجة هذه الأزمة الصحية الطارئة في عام 2020؟ وكيف تختلف عن وباء سارس في عام 2003؟

يرى البحث أن العديد من البلدان اعتمدت على استقراء الإجراءات التقليدية في مكافحة العدوى لاحتواء جائحة كوفيد-19، على غرار تلك المستخدمة مع مرض سارس في عام 2003؛ مثل إجراءات الحجر الصحي الصارمة والإغلاق في الصين. ومع ذلك، قد لا تكون هذه التدابير فعالة في عام 2020 لمعالجة كوفيد-19. ويستكشف البحث تطبيقت محتملا لأربع تقنيات رقمية مترابطة (إنترنت الأشياء وتحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل) لتفعيل استراتيجيتين تقليديتين للصحة العامة للتعامل مع كوفيد-19؛ الأولى: الرصد والمراقبة والكشف والوقاية من كوفيد-19؛ والثانية: تخفيف الضغوط على قطاع الرعاية الصحية المرتبط بشكل غير مباشر بكوفيد-19.

  1. الرصد والمراقبة والكشف والوقاية

أولاً: يوفر إنترنت الأشياء منصة تتيح لمؤسسات وهيئات الصحة العامة الوصول إلى البيانات لرصد جائحة كوفيد-19. فعلى سبيل المثال، يوفر "المقياس العالمي" تحديثًا مستمرا للعدد الفعلي للأشخاص الذين تم تسجيلهم على أنهم مصابون بكوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الحالات الجديدة اليومية وتوزيع المصابين حسب البلدان، فضلا عن شدة المرض (من حيث معدلات الشفاء أو الحالات الحرجة أو الوفيات).

وطوّر مركز علوم وهندسة الأنظمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية خريطة تتبع لحظية لحالات كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، وذلك باستخدام البيانات التي تم جمعها من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، ومنظمة الصحة العالمية ( WHO) والمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، والمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها (China CDC) بجانب موقع DXY الصيني، الذي يجمع البيانات من لجنة الصحة الوطنية الصينية.

ثانيًا: توفر البيانات الضخمة أيضًا فرصًا لإجراء "دراسات النمذجة" للنشاط الفيروسي، وتوجيه صنّاع سياسات الرعاية الصحية في كل بلد نحو تعزيز الاستعدادات لمواجهة تفشي المرض. فباستخدام 3 قواعد بيانات عالمية- على غرار ما اعتمدت عليه الصين مثل حركة الطيران، والخدمات القائمة على الموقع الجغرافي، وبيانات مكتب ووهان لإدارة النقل- تم إجراء دراسة نموذجية عن "التنبؤ الآني" وتوقع نشاط مرض كوفيد 19 داخل الصين وخارجها، ومن ثم تستخدمها السلطات الصحية للتخطيط والتحكم في الصحة العامة في جميع أنحاء العالم. وبالمثل ينبغي استخدام اللوائح الصحية الدولية لمنظمة الصحة العالمية، وأداة الإبلاغ السنوي للتقييم الذاتي للدول الأطراف، وتقارير التقييم الخارجي المشترك، ومؤشر "جيلبرت إيت إل" للأمراض المعدية، علاوة على تقييم مدى استعداد البلدان الأفريقية ونقاط ضعفها في محاربة كوفيد-19؛ وهذا من شأنه أن يساعد في رفع استعداد السلطات الصحية المعنية في أفريقيا، بشكل أفضل لمواجهة تفشي الفيروس.

ثالثاً: يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تعزز التثقيف والاتصال في مجال الصحة العامة.

فعلى سبيل المثال، عقدت الحكومة في سنغافورة شراكة مع شركة "واتس آب" للسماح للجمهور بتلقي معلومات دقيقة حول كوفيد-19، إلى جانب عدد من المبادرات الحكومية الأخرى.

وتستخدم وكالات الرعاية الصحية حاليًا العديد من منصات التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك وتويتر) لتوفير تحديثات "لحظية" وتوضيح أوجه عدم اليقين لدى الجمهور.

رابعاً: يمكن أن يعزز الذكاء الاصطناعي اكتشاف وتشخيص كوفيد-19؛ إذ تواجه الدول تحديات في توفير اختبارات دقيقة ومنخفضة التكلفة لتشخيص كوفيد-19. ولا تمتلك العديد من المستشفيات المتواجدة على أطراف الصين والدول النامية الأخرى في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، الاختبارات أو الموارد للتمييز بدقة بين كوفيد-19 وبين الأنفلونزا الموسمية.

لذلك فبالنسبة للأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض في ووهان وبسبب تكلفة الاختبار، فسيكون التشخيص والفحص بطرق بديلة مفيد للغاية. وفي هذا السياق، تملك الصين مجموعات من البيانات الضخمة عن الحالات الإيجابية لكوفيد-19 (أكثر من 70000 حالة) وتمثل هذه البيانات تغذية مثالية للذكاء الاصطناعي. ويمكن بعد ذلك استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي كأداة فحص أولية للحالات المشتبه فيها (على سبيل المثال، تاريخ السفر إلى الصين أو إيران أو كوريا الجنوبية، أو التعرض للحالات المؤكدة) بحيث يمكن للمرضى المعرضين لخطر أعلى إجراء اختبارات تأكيدية مختبرية أو عزلهم.

وعلى الرغم من أن معظم المرضى يعانون من حالات معتدلة من كوفيد-19، يجب على الأطباء تطبيق نفس المستوى من الأساليب المكثفة لعزل ومعالجة ومراقبة جميع المرضى. ويمكن تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء على فرز المرضى المصابين بكوفيد-19 إلى 3 مجموعات محتملة؛ الأولى: 80% ممن لديهم أعراض مرضية خفيفة، والثانية: 15% ممن لديهم أعراض معتدلة، والثالثة: 5% من المصابين بأمراض شديدة، بما في ذلك أولئك المعرضين لخطر الموت. وأخيرًا: يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يسهل اكتشاف عقاقير جديدة للمرض.

2- التخفيف من تأثيرات "كوفيد-19"

رغم أهمية التركيز على معالجة التأثيرات المباشرة لكوفيد-19، إلا أنه ينبغي الحفاظ على الخدمة السريرية الأساسية والحرجة؛ إذ إن رد الفعل الأوليّ في العديد من البلدان هو أن تقوم مرافق الرعاية الصحية بتقليل أو حتى إيقاف العديد من الخدمات السريرية، بما في ذلك إغلاق العيادات وتأجيل المواعيد الطبية أو العمليات الجراحية الاختيارية. ومع ذلك، لا يمكن أن تستمر هذه الاستراتيجيات إلى أجل غير مسمى في حالة استمرار وباء كوفيد-19 لأكثر من 6 أشهر. ومن هنا يجب أن تضع أنظمة الرعاية الصحية ضمن خططها المستقبلية ضرورة استخدام التكنولوجيا الرقمية. على سبيل المثال، يمكن إنشاء "العيادات الافتراضية" وتقديم الاستشارات الطبية عن بعد مع بيانات التصوير (على سبيل المثال، تصوير الصدر بالأشعة السينية أو التصوير المقطعي المحوسب للصدر)، التي يتم رفعها عبر المواقع الملحقة وتفسيرها عن بُعد. ومن شأن ذلك أن يضمن استمرار تلقي المرضى للرعاية السريرية القياسية مع تقليل ازدحام المرضى في المستشفيات. وبالنسبة لأنشطة المستشفيات الرئيسية الأخرى (مثل البحث والتعليم)، فإن منصات التعلم الإلكترونية الافتراضية يمكن توظيفها بشكل متزايد بدلا من الاجتماعات الفعلية. ثانيًا: يمكن أن يؤدي استخدام أنظمة الفرز المختلفة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إلى تخفيف الأعباء على الأطباء. ويمكن لـ"روبوت الدردشة" الطبي أن يساعد المرضى على التعرف على الأعراض المبكرة، وتوعية الناس بأهمية نظافة اليدين، وتقديم العلاج في حالة تفاقم الأعراض. إضافة إلى ذلك، قد تسهم البرامج المعتمدة على الهاتف التي تكتشف بيانات المرضى وتسجيلها (مثل درجة الحرارة اليومية والأعراض)، في عدم تقديم استشارات غير ضرورية في المستشفيات، للمرضى الذين يعانون من أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا. ويمكن أيضًا تطوير هذه البيانات إلى خوارزميات ذكاء اصطناعي للكشف عن كوفيد-19. ثالثًا: يتعاون العديد من المستشفيات في الصين مع شركات سلاسل الكتل والصيدليات لتوصيل الأدوية إلى منازل المرضى. وبذلك، يمكن للمستشفيات ضمان توصيل الأدوية في الوقت المناسب مع تتبع دقيق.

باختصار.. بينما يواصل العالم الاعتماد على تدابير الصحة العامة التقليدية لمعالجة وباء كوفيد-19، ينبغي أن يشهد عام 2020، توظيف واسع النطاق للتكنولوجيا الرقمية التي يمكن ان تستخدم لزيادة وتعزيز استراتيجيات الصحة العامة. ومن المحتمل أن يسهم الاستخدام الفوري والتطبيق الناجح للتكنولوجيا الرقمية لمواجهة تحدٍ عالمي كبير للصحة العامة، في زيادة تقبل الجمهور والحكومات لهذه التقنيات في مجالات أخرى من الرعاية الصحية، بما في ذلك الأمراض المزمنة في المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك