ماذا بعد كورونا؟

 

د.خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

سؤال بديهي ومنطقي وفلسفي لأبد أن يسأله كلُ واحدٍ فينا، مجلس الوزراء عليه أن يسأل ماذا بعد كورونا؟ والمؤسسات الحكومية والخاصة عليها أن تسأل نفس السؤال، وكل فرد منِّا عليه أن يُردد في ذهنه إجابة شافية وكافية وملحة لسؤال مثل هذا على مستوى أسرته ومجتمعه ودخله المادي وغيرها من الحسابات التي لابد أن تتغير.

لقد أبرز الفيروس الصغير جوانب مضيئة لنا، وأبصرنا جوانب مظلمة وعواقب صعبة ربما كنَّا ندركها ولكن لم نحسب لها حساب، وربما كنَّا لا ندركها في الأصل، وفي كلتا الحالتين علينا أن نتغير ونستفيد من هذه التجربة المريرة لمُستقبل بلدنا وحياتنا بصورة عامة فالعالم من حولنا سوف يتغير بعد (كورونا) بدون أدنى شك ومن لا يعتبر ويدرك سيظل في مؤخرة الركب ولن يفوته القطار كما يقال لنا سابقًا بل سيحطمه ويجعله عبرة لمن يعتبر.

لابد أن نستفيق يا سادة من سباتنا، علينا أن نعمل وبأسرع ما يُمكن لجعل العثرة التي سقطنا فيها درسا ونبراسا لننطلق نحو سماوات التميز والصدارة والإبداع، فعُماننا لا ينقصها شيء لتكون كذلك فلله الحمد نملك من خيرة الشباب المسلح بالإرادة والعلم والقوة ونملك الخيرات المتعددة والمتنوعة على مستوى المقدرات والموارد الطبيعية والجغرافية في الساحل والسهل والجبل، فقط علينا أن نتغير ونخلص ونملك الإرادة الصادقة لتكون عُمان أولاً بعيدا عن المصالح الشخصية.

لقد أثبتت هذه التجربة وهي الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل فشلها للمرة المليون دون أن نتعلم من التجارب السابقة فهل سنرى تغييرا واقعيا فعليا وليس كلاما في وسائل الإعلام، وأوضح لنا هذا الدرس أهمية الأمن الغذائي وضرورة أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، وقد تحدثنا في مرات سابقة عن إهدار صارخ لقيمة الأرض الزراعية التي حولت بسوء إدارة إلى أراضٍ سكنية وتجارية لتحقيق مصالح وقتية وحطم سهل زراعي خصب بين عشية وضحاها (سهل الباطنة) والذي ربما يكون لو استغل لكان السلة الغذائية للسلطنة عامة وحقق لنا الاكتفاء الذاتي للعديد من المحاصيل الزراعية، ولا يزال هذا السهل بما تبقى منه لو استغل لحقق جزءا كبيرا من احتياجاتنا، والبحر ليس ببعيد عنَّا فنحن نملك الآلاف من الكيلومترات التي يُمكن أن توفر لنا مصدر دخلي لا يقل أهمية عن النفط فكيلو (الكنعد) وصل سعره سعر برميل النفط في هذه الأزمة، كما أنَّ الموانئ العمانية تعتبر من أفضل الموانئ عالميًا من حيث الموقع وكانت شبه معطلة بحجج واهية وظهر هذا عندما تم الاستيراد والتصدير المباشر في أزمة (كورونا) وعليه فإنَّ أمر الموانئ يحتاج إلى إعادة نظر وتركيز من قبل الحكومة في الفترة القادمة.

 

إنَّ التغيير والتقدم لابد أن يكون هدفا أولا لنا في المرحلة القادمة ولن يكون هذا ومؤسساتنا الحكومية تنادي منذ زمن بعيد بالحكومة الإلكترونية التي كشفت عوراتنا في هذه الأزمة لنجد أن مؤسسات أغلقت ولم يكن من سبيل للمراجعين إلا الانتظار حتى ترجع المياه لمجاريها وتكون الورقة حاضرة، فيما وصلت دول أخرى إلى الحكومة الذكية في المجال الإلكتروني، ومع هذا التأخر الإلكتروني فقدنا التعليم وهو العصب الحيوي والشريان الرئيس لأي تقدم وعاش أبناؤنا في ظلام القرون الماضية بلا تعليم يلعب كثير منهم (كيرم) للأسف الشديد في الحجر المنزلي.

إنَّ هذا كله لا يجعلنا نيأس ونرجع للوراء بل علينا أن نصحح المسير ونسخر الطاقات وندفع بهمم الشباب إلى الأمام فنحن نملك كل مقومات النجاح والتقدم، علينا أن نشمر عن سواعد الجد ونجعل هذه الأزمة (كورونا) مصدر إلهام لنا نحو المضي في تغيير واقعنا للأفضل، وعلينا ألا نهدم ما تحقق بل نبني على ما وصلنا إليه في كافة المجالات فلبنة وراء لبنة يصل البناء إلى الهدف المرسوم، وكلنا ثقة في قيادتنا الحكيمة وفي شبابنا الذين يملكون الإرادة الصادقة التي يمكن أن تبني وتعمر هذا الوطن الغالي، وهنا علينا أن نقول إن الأمل في الصناعة بمختلف أنواعها وفي الاهتمام بالابتكار والمبتكرين وتخصيص جل اهتمامنا للبحث العلمي وللعلم لنستعيد هيبتنا ومكانتنا على المستوى العالمي وقد أظهرت هذه الجائحة العالمية أننا نملك مثل هذه الطاقات التي علينا ألا ننساها بعد أن يعدي (كورنا)، ودمتم ودامت عُمان بخير.