عُمان بالشدائد تقوى!

حمد بن سالم العلوي

إنَّ قارئ التاريخ العُماني بتمعن، لابد وأن تستوقفه بعض المواقف المفصلية في تاريخ عُمان، ولا شك أنه سيرى أن تلك الشدائد خرجت عُمان منها أقوى أضعاف المرات عن ذي قبل، فلو نظرنا إلى حال عُمان قبل حكم اليعاربة، لوجدنا أنَّ هناك تبعثراً في الزعامات والقيادات، وذلك بسبب الضعف الذي طرأ أواخر حكم النباهنة، الأمر الذي جعل عُمان تحتاج إلى زعامة توحدها، وتعمل على قيادتها لطرد الغريب "البرتغالي" من سواحلها، فكان لعُمان قائد قوي وهو (الإمام ناصر بن مرشد اليعربي) فكان لليعاربة قيادة جيوش النصر والتحرير، وقد امتدت أعمالهم الحربية لتطهير كل الأقاليم من الغُزاة البرتغاليين وليس إقليم عُمان وحدها، ولكن عندما شعر العُماني أنه يكتفي بما استقر له من عيش رغيد، وهن عضد الدولة بضعف حكم اليعاربة، واستنجاد إمامها الضعيف بالغريب، فلم يُرض ذلك أهل الحل والعقد من أعيان البلاد وزعماؤها.

فما كان من القوم إلا أن بحثوا عن شخص قوي وعادل، فوجدوا ضالتهم في شخصية والي صحار، فهبَّ العُمانيون لمُبايعة الوالي أحمد بن سعيد بالإمامة، وقيادة البلاد وتوحيدها، فانقادت له عُمان كلها، لأنَّ أهلها وجدوا عزتهم وقوة شكيمتهم في هذا الشخص القوي بالله العادل في حكمه، والنزيه في تصرفاته، والأمين على الشعب ومصالحه.

لكن أتت حقب كثيرة من الدهر على عُمان، وتعرضت فيها البلاد للوهن والخمول، وكان ذلك على إثر انقسام الإمبراطورية العُمانية بين قطاعين أفريقي وآسيوي، وبفعل فاعل أوهمت عُمان بأنها في حالة عيش رغيد، فلا داع لرباطة الجأش، وإن أي اعتداء عليها ستكون مسؤولية مشتركة بينها والدولة الصديقة، ولكن هذه الدولة الصديقة اتبعت سياسة "التدجين" مع عُمان، فصارت لا تتدخل دفاعاً عن عُمان، إلا وفق مصالح الدولة الصديقة أولاً، وكان المثال الحي ذلك الذي وقع على القسم الأفريقي، وما وقع كذلك في مواقع أخرى من عُمان، وما نزال بعُمان نتعرض للأذى من تلك الشَّرْذَمة المتعمدة للجغرافيا والسكان، ولقد ظل الحال في هبوط مستمر للمكانة العُمانية، وذلك بسبب خديعة الرفاهية والاعتماد على الغير.

لقد ضاقت الأرض بما رحبت على عُمان، وذلك حتى كان عام 1970م، عندما أصبحت عُمان أمام مفترق طرق، فهناك شرذمة للبلاد في الشمال، وتهديد بغزو أيديولوجي وعسكري في جنوب البلاد، فقد تمَّ قضم ثلاثة أرباع ظفار، وغليان في طول البلاد وعرضها، فانبرى لعُمان قائد همام من رحم أزمات كثيرة، فكان لجلالة السلطان قابوس المُعظم - طيب الله ثراه - صاحب تلك الحقبة القاسية المرة، فهبَّ الشعب العُماني ملبيا لندائه ونصرته، برغم أن الشعب كان في حالة وهن وإهمال شديدين، فلا علم ولا صحة ولا خدمات عامة، ولا تهيئة لإدارة دولة حديثة، فقد كان يعيش حياة القرون الوسطى واقعاً كما هو حال ذلك الزمان، ولكن الشعب العُماني كان يدَّخر في نفسه الكرامة وعزة النفس.

إنَّ المكرمات الربانية لعُمان، لا تتوقف إلا بتوقف أهل عُمان عن واجب السعي والعمل بما يرضي الله ورسوله، فإذا اعتبرنا مجيء السلطان قابوس إلى حكم عُمان هبة ربانية، فهذا القائد الفذ الحكيم (رحمة الله عليه) استلم عُمان وهي في تخلف شديد، وفقر ظالم، ومشاكل في كل اتجاه، وحروب وخلافات، وشعب مُغلق عليه بالضوابط الشديدة، وأرض بكر كما يوم نزل عليها سيدنا نوح عليه السلام من السفينة، وحسد وطمع وجور من الجوار العربي، فظل يرجو لهم الخير، وهم يضمرون له الشر، يبتسم من جهلهم وغبائهم، ولا يتأفف أن يرسل لهم النصح غير المُباشر، ويعلم أنهم لا يقبلون نصح الناصحين، ولكن من أين له بجيران كما يُريد، فصبر وكظم الغيظ، وهكذا يفعل العاقل الحكيم، حتى وهو مريض يقاسي من مرض شديد الألم، كان هناك من يوجه جرَاءُه بالنبيح عليه، ويتلاعب بالجغرافيا العُمانية، ولو على الورق لكنه فعلِ مؤذٍ.

أن نقول اليوم عن عُمان إنها المدينة الفاضلة، فليس هذا من النرجسية والغرور، ولكن إذا نظر الإنسان المنصف العاقل المتجرد من العواطف إلى العالم، سيجد حقاً أن عُمان تمثل هذا المعنى، وأن لها قوة خفية تقوم على الصبر والحُلُم، والحكمة وسداد الرأي، فقد ظل الجاهلون يراهنون على خراب عُمان، وضياعها بمجرد وفاة السلطان قابوس، وكان يسعدهم لو حصل هذا، ولأنَّ كل نفس ذائقة الموت، فقد توفي جلالة السلطان قابوس إلى رحمة ربه، وعمَّ الحزن كل أرجاء عُمان، وشاطرنا هذه المشاعر إخوة كُثر.

وإذا تكلمنا عن سلاسة انتقال الحكم، فتصور أن ينام المرء على عهدٍ، ويصحى على عهدٍ جديدٍ، فلم نشعر كعُمانيين بتغير الحكم ولا بتغير نهجه، وقد بايع العُمانيون جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله - على السمع والطاعة، ولقد تولى جلالته الحكم، وهو يُواجه مشاكل اقتصادية كثيرة، ومطالب عمالية، ومطالب بالتشغيل والعمل.

وليس هذا وحده، وإنما الأوضاع المحيطة بعُمان، فهناك حرب على اليمن، ومشاكل اليمن الداخلية المزمنة، وانعكاس ما يجري في الجوار يُؤثر علينا بالسلب أو الإيجاب، وكذلك حصار قطر وحصار إيران، ودول عربية منكوبة بمعنى الكلمة، وتهديدات بحروب كونية، ولا شيء يسير وفق نواميس الكون الطبيعية، وجوار خائن وغادر ومخوِّن لغيره، ويحكم على الآخر من منظوره الضيق، وعُمان في بداية عهد جديد، ولها علاقات في كل هذه المتشابكة عالمياً، وواجبها التاريخي والأخلاقي أن تسعى بالسلم والسلام، بما يجنب العالم ويلات الحروب ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

 فهل لك أن تأتيني ببلد واحد حول العالم يعمل جهده هكذا من أجل الآخرين إلا عُمان؟! فعُمان التي تحتاج إلى عون الجيران لها لتتجاوز مسألة انتقال السلطة، وضعت ذلك وراء ظهرها، فقالت يا من تأملنا منكم العون، إننا نعذركم بل نعفيكم من كل شيء، فقط سدوا الفتحات القذرة الموجهة ضدنا، ونبشر العالم أنه خلال فترة قصيرة جداً، وبلسان حالنا نقول لكم نحن المواطنين العُمانيين، إننا أعلنا حبنا وولاءنا المطلق لجلالة السلطان هيثم المعظم - أعزه الله - وإن العُمانيين يثقون فيه ثقة مطلقة مثلما كانوا يثقون في جلالة السلطان قابوس وربما أكثر، فهل علمتم أنَّ الشدائد تصنع المعجزات في عُمان؟! فلا نامت أعين الخبثاء والمغرضين .. حفظ الله عُمان ونصر سلطانها المبجل.