ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
كثر الحديث مُؤخرا حول جدوى الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وأثرها الإيجابي على المجتمع بصفه خاصة وعلى اقتصاد البلد بصفه عامة، وجائحة كورونا فتحت الباب لذكر إرهاصات عدة؛ ومنها: الجمعيات التعاونية وكيف لو كانت موجودة ومنافسة للمراكز التجارية التسويقية الكبري التى تلعب في الميدان دون منافس، وأستغرب حقيقة كوني مستهلكًا ما الذي أخَّر ظهور مثل هذه الجمعيات لدينا في السلطنة، مع إيماني الشديد بأن هناك كوادر عمانية باستطاعتها إدارة هذه الجمعيات بامتياز.
والسؤال هنا: أين هو دور وزارة التنمية الاجتماعية في سن تشريع خاص بهذه الجمعيات كونها تحت مظلتها؟ فمثل هذا الأمر لا يحتاج لتردُّد وحجج وبراهين؛ فالمصلحة العامة (المجتمعية) يجب أن تكون فوق كل اعتبار.
علمتُ أنَّ ثمة دراسة أعدتها إحدى الجهات أثبتت عدم جدوى إقامة الجمعيات الاستهلاكية لدينا في السلطنة، وعجبي!! كيف ذلك وعلى أي أساس اعتمدت هذه الدراسة؟ ومثل هذه الجمعيات أثبتت نجاحها إقليميا وعالميا، والدلائل عديدة والشواهد كثيرة، وسوف نستعرضها عبر هذا المقال.
يكفِي أنْ نعلم أنَّ الأمم المتحدة أطلقت عام 2012 عاما خاصا للتعاونيات، وهذا يدل على الأهمية القصوي لهذا القطاع، وما يقدمه اقتصاديا ومجتمعيا من إسهامات جليلة؛ منها: توظيف الكادر المحلي وتدوير رأس المال داخل البلد؛ بما يُسهم في تحريك العلمية الاقتصادية.. وغيرها من الفوائد الاقتصادية الجمة.
ومن الأمثلة الناجحة عالميا في مجال التعاونيات: جمهورية ألمانيا الاتحادية، الدولة الأوربية الأنجح اقتصاديا، والتى لها تجربة رائدة في مجال التعاونيات، ويكفي أن نعلم أن بها 7500 تعاونية تضم 20 مليون عضو، كما أن سويسرا بها 9600 تعاونية، وفي فرنسا تؤمِّن التعاونيات عددًا هائلًا من فرص العمل.
كما أنَّ هناك نماذج ناجحة للجمعيات في دول الجوار؛ مثل: دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت؛ فهي تعتبر خط الدفاع الأول الذي يقف في صف المواطن ضد ارتفاع الأسعار، ومساندة الجهات الحكومية، كما أنَّ لها إقبالًا منقطعَ النظير من قبل المواطنين، ويكفي أن نعرف أن في دولة الكويت الشقيقة تشكل التعاونيات الاستهلاكية حوالي 80 في المائة من تجارة التجزئة، وهذا أكبر دليل على نجاحها في المنطقة الخليجية.
هذه كلها أمثلة لا تخفى على لبيب، ولا يمكن تجاهلها في كيفية نجاح قطاع التعاونيات؛ شريطة أن تكون مِن وإلى المستهلك، هدفها تقديم خدمة للمجتمع، ولا بأس أن تكون شركة تعاونية؛ شريطة أن لا يكون هدفها ماديًّا بَحْت في المقام الأول، وإلا سوف تفقد دروها المجتمعي؛ فالتعاونيات نظام استهلاكي مجتمعي كأنموذج ناجح للاقتصاد المجتمعي التعاوني العالمي.
ومن الضروري هُنا لنجاح قطاع التعاونيات توافر البيئة الخصبة من تنظيم إداري متقن، وقوانين تحميها، وتشريعات تنظمها، وتسهيلات مرنة تساندها وفق المعايير العالمية للجمعيات التعاونية والتى من شأنها أن تعزز تواجدها في السوق المحلي؛ بصفتها جمعيات أهلية تعاونية، أضف إلى ذلك الإدارة المتخصصة ذات الرؤي بعيدة المدي، المتوزانة بين خدمة المجتمع في المقام الأول وتحقيق الربح الاقتصادي الذي يخدم مسيرة الجمعية ويحقق استمراريتها.
نعم.. يُمكن أن نكون تأخرنا كثيرا في تكوين وإنشاء التعاونيات الاستهلاكية، لكن آن الآوان لمواجهة الاحتكار القائم من قبل المراكز التسويقية الكبري، وظهور الجمعيات التعاونية هو الحل الأمثل في الوقت الراهن.
لذا؛ أرى أنَّ الأهلية هي أساس نجاح الجمعيات التعاونية، ومتى حُوِّلت لشركات تجارية أسوة بما هو موجود لدينا، فقدت أهليتها وهدفها المنشود.
رسالة لمن يهمُّه الأمر من جهات حكومية ومجالس:
كَثُر الحديث عن التعاونيات، وظهرت الحاجة لها في مثل هذه الأوقات والأزمات.. أطلقوا العنان لها، وجدِّدوا الثقه في أبنائكم ممن لهم الرغبة، مع دعمهم ومساندتهم؛ فهم أهل البلد وأَوْلَى من الغريب.. لا ضير من التجربة فقد نجح غيركم، والتجربة كما يقولون خير برهان.