الدولة أحقّ بالأراضي الزراعية المهدورة

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

المحن تُظهر معادن الأمم.

تطهيرٌ من الفساد، وتنظيفٌ من الأوبئة الاجتماعية، وإظهارٌ لمدى التلاحم الوطني، وتعريةٌ لأولئك المتخفّين خلف شعار (الوطنية)، المختبئين تحت عباءات الشعارات الفضفاضة.

هذه المحن التي تمر على الأمم تُبرز مدى قابليتها للحياة، ومدى هشاشتها أو قوتها، تُعري الخفيّ، وتُظهر المستور، وتسوق أمامها أولئك القابعين خلف مكاتبهم يصدرون القرارات وينشرون القوانين وهم ليسوا سوى شلّة من "اللوبيات" التي تتمترس خلف الألقاب، همّها الأول والأخير مصالحها الذاتية، وتيسير أعمال من لا عمل لهم غير أكل مال الوطن، وتعقيد المواطن.

أزمة "كورونا" أظهرت بعض ما خفي لدينا، أظهرت أولئك الإقطاعيين الذين تملّكوا عشرات بل مئات الأفدنة الزراعية بحجة استثمارها، فإذا هي ما تزال على مر السنين قاعا صفصفا، لا ينبت في أرضها الشجر، ولا يطير على ثراها الطير، أفدنة من الأراضي الزراعية التي ذهبت لمن لا يملك وفي مواقع حساسة، استولى عليها "أصحابها" عبر طرق مشروعة وغير مشروعة، وادّعوا ملكيتها، أو وراثتها، بعضهم من زوّر المستندات، وآخرون من تملّكوها بشهودٍ زور، وفريق أخذها عبر لجان مشكوك في نزاهة بعض أعضائها، وآخرون امتلكوها عبر وسائل مُختلفة، المهم أنهم صاروا ـ بشهادة الورق ـ ملاكا لها، غير أنَّ هذه الأزمة كشفت المستور، تلك الأفدنة الزراعية ما تزال قاحلة، وأنها مجرد أرض غير مستغلة زراعيا، في وقت تحتاج الدولة كل شبر زراعي لتغطية احتياجاتها الزراعية في هذه الظروف الطارئة، وما بعدها، فالأمة التي لا تأكل من أرضها أمة غير قادرة على البقاء طويلاً.

هناك الكثير من المشاريع الزراعية الجادة التي تستحق الدعم والتشجيع، وهي أحق من هؤلاء الذين يكدّسون الأراضي، ولا يستفيد الوطن منها ومنهم شيئاً، يؤجرونها للعمالة الآسيوية التي تقتلها بمبيدات زراعية محرمة، غير مبالية بالتداعيات أو النتائج، بينما يكتفي المواطن ـ غير المتفرّغ لمزرعته ـ بريالات معدودة إيجارا للأرض، مثل هذه الحالات يجب أن يُعاد النظر فيها، وأن تقوم حملة حكومية على رأسها مسؤول غير منتفع وحاسم وحازم، لتعديل أوضاع هذه الثروة الوطنية، وإرجاع ما لم يتم استغلاله للدولة، والوقوف على جدّية المنتفع من هذه الأراضي، أو حتى المتملّك لمساحات شاسعة و"غير منطقية" وهو غير مستغل لها، لأنَّ الدولة أحق بأراضيها، والوطن أحق بثرواته.

نحن لسنا ضد امتلاك المواطن لأرض زراعية، إن كان مستحقاً لذلك، ولكننا ضد أولئك الإقطاعيين الذين نهبوا الأراضي، أو قاتلوا للحصول عليها، ثم تبيّن أنهم أجّروها كمخازن، أو سكن للعمال، أو مزارع للعمالة الوافدة، ولم يقوموا باستغلالها في ما يعود على الوطن اقتصاديا، بل كدّسوا الأراضي واحتكروها بأنانية مفرطة، بينما هناك مئات الشباب الذين يحتاجون لمثل هذه الأراضي لبناء مشاريعهم ومستقبلهم، ولا يلقون فرصة لذلك.

المرحلة الحالية بحاجة لقرارات حاسمة، لأنَّ خيارات الدولة الاقتصادية ليست كثيرة، لذلك على القليل أن يضحي لأجل الكثير، وأعتقد أن المسؤولين يدركون ذلك، ولكن بيروقراطية اتخاذ القرار قد تكون عائقًا لعمل ما يلزم، أو أنَّ حسابات قبلية أو فردية تعيق مثل هذا القرار، لكن الواقع يقول إنَّ على الجميع مسؤولية الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن، ومنجزاته، خاصة أولئك الذين تنعموا بخيراته طويلاً، "ولكنّهم عندَ النائباتِ قليلُ".