المعتصم البوسعيدي
إذا ما تصفحنا رُوزنامة التاريخ؛ سنجد عن كل يوم أحداثا ومواليدَ وأموات، وتلك الأيام يُداولها الله بين الناس؛ فمنهم من يستحث الخطى بحثاً عن الحقيقة؛ فيقارب الماضي بالحاضر مستشرفاً مستقبله، ومنهم من يصعر خده ويندب حظه؛ فيقعد ملوماً محسورا.
في التاسع من أبريل تاريخ نشر هذا المقال؛ نجد -حدث في مثل هذا اليوم- ميلاد الروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني في العام 1936م، حياة بكمِّها العددي قليلة لم تتجاوز 36 عاماً فقط، لكنها بكيفها الوجودي كبيرة القيمة، فقد مات -رحمه الله- شهيداً على يد كيان صهيوني غاشم؛ قتلوه ليعيش -من حيث لا يدرون- شمعة مضيئة في الوجدان العربي وكل أحرار العالم. أما الحدث الآخر في مثل هذا اليوم، فهو سقوط بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003م؛ الأمر الذي مهَّد بعد ذلك لبسط أمريكا سطوتها الغازية على كافة المناطق العراقية، وأسر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وما تلاها من أحداث معروفة.
وما بين ميلاد غسان وسقوط بغداد، كم من الحقائق التي اكتشفناها عن واقعنا العربي؟! كم من السطور التي خلدناها في تاريخ الأمم والشعوب؟! ولنحصر الأمر في الرياضة العربية؛ كون المساحة هنا رياضية، هل نحن صنعنا الإنجاز؟! هل ولدنا الأبطال وسطرنا الأمجاد تسطيرا؟! نحن -للأسف- نقف في آخر الطابور رياضيًّا كما الحال في أغلب المجالات إلا الحروب التي نستقطبها والعدوات التي نجذبها، وذبح آمالنا من الوريد إلى الوريد، وما إن تعصف بنا الليالي حتى نستدعي القوى لشد أزرنا مقابل صندوق أموالنا ومفاتيح ثرواتنا.
أين أبطال المغرب العربي في ألعاب القوى؟! أين مضرب المصري برادة على جدار البطولات؟! لماذا لا نسمع صوت الخليج في ملاعب أوروبا تضج وهم لبطولاتهم ينفقون الغالي والنفيس؟ لماذا نبحث في الأولمبياد عن الذهب العربي بفتات خبز لا يسد الرمق؟! ولِمَ نحن العمانيين نرى رياضتنا في واد غير ذي زرع؟ هل بالفعل نود أن يكتبنا الزمن في ميلاد الحياة المثمرة، أم في أحداث السقوط المؤلمة؟ أم نحب أن نكون الهامش الذي لا تعبره السطور؟!!
لقد كان غسان كنفاني مُقاوِماً من نوع مختلف على ما يبدو، لقد نقل بكتاباته السنوات الأولى من التهجير والشتات الفلسطيني، قاوم انحراف القضية إلى قضية "لقمة العيش" وهي أكبر من ذلك وأعمق، لم يهادن ثورة العراق إذ كان يكتب باسم "أبو العز"؛ فقد رأى سلطتها تجري في الطريق الخطأ، ونحن يبدو أننا نخسر كل مرةً لأننا خسرنا عمق قضيتنا، وفي الرياضة نرى ذلك بوضوح؛ نستورد الأفكار، نفتقد المعيار، نفتقر المنهجية، وإذ تحركت سفينتنا نبدأ بكسر المجاديف، فلا نقدر قيمة الأبطال، ولا نعزز ميزان الأثقال، نركز على الشخوص والهوى، فإن ضل صاحبنا نقول: ما غوى، وإن اهتدى غريمنا نقول: قسمة ضيزى!!
الفكرة اليوم تتمحور في ضرورة سعينا لنكون رقماً موجباً في "حدث في مثل هذا اليوم"، يكتبنا ميلادنا ورفعتنا لا موتنا وسقوطنا، رحم الله غسان كنفاني وأعاد للعراق العظيم مجده وبسمته وحضارته الرائدة التليدة.