المؤامرة في "نظرية المؤامرة"

مدرين المكتومية

العالم المتغيِّر من حولنا ومنذ القدم، يعتقد في نظريات ورؤى ومعتقدات، يسعى من خلالها لتفسير الظواهر الطبيعية والكونية التي تُصيبه؛ رغبةً منه في إيجاد قناعات توضح له "حقيقة" ما يحدث، حسبما يظن، لكن الواقع العملي يقول إنَّ على الإنسان دائما أن يتعاطي من التحديات من حوله، والظواهر الطبيعية مثل الأنواء المناخية أو الأوبئة أو الأمراض التي لم تظهر من قبل، على أنها نوع من هذه التحديات.

والتفسير الأشهر الذي يُرجِّحه العقل البشري في أغلب الأحيان، يذهب إلى "نظرية المؤامرة"، وهي نظرية سهلة للغاية يتخذها الكثيرون ذريعة للتحجج بأنَّ ما يحدث لهم نتائج مؤامرة دُبرت بليل، وتديرها أصابع خفية من خلف الكواليس، وتجلس وتجتمع سرا للقضاء على العالم!! وما أكثر نظريات المؤامرة التي طرحها أطباء واقتصاديون و"خبراء إستراتيجيون" لتفسير التفشي الهائل لفيروس كورونا (كوفيد 19) في العالم؛ بدءا بأن الصين هي التي صنعت الفيروس للتلخص من كبار السن، أو لضرب اقتصاد العالم من أجل أن تتسيَّد هي هذا العالم، وحتى نظرية المؤامرة بأنَّ هذا الفيروس أطلقه الجيش الأمريكي للقضاء على الصين وغيرها من الدول المناوئة للولايات المتحدة! هكذا بكل بساطة تستطيع وأنت جالس خلف حاسوبك أو ممسكا بهاتفك النقال أن تفسر وتحلل وتناقش وتجادل وتستعرض نظريات المؤامرة؛ فالحل سهل وسحري ويجذب البسطاء والمتعاطفين وحتى أصحاب متلازمة ستوكهولم!

لكن إذا ما جلسنا نفكر بإمعان في حقيقة تلك النظريات الوهمية، نجد أنَّ التآمر من أنفسنا على أنفسنا، وأننا نريد أن نخلق الذرائع واحدة تلو الأخرى لكي نتوقف عن العمل، ونركن إلى تلك الادعاءات السخيفة، فيتحول الإيمان والاعتقاد بنظرية المؤامرة إلى المؤامرة نفسها، مؤامرة نقودها ضد أنفسنا ودولنا وحكوماتنا، بأيدينا لا بيد عمرو ولا غيره.

هناك من يقول "لا شيء يحدث بالصدفة"، وهذا صحيح؛ فكلها أقدار من عند الخالق، لكن هذا يعيدنا إلى الجدل الفلسفي إذا ما كان الإنسان مُخيَّرا أم مُسيَّرا، ليجد الإنسان نفسه في عُمق متاهة لا تنتهي، والحل بدلا من ذلك أن يؤمن بأن هناك أقدارًا رُسمت له، وعليه أنْ يسعى بكل جد واجتهاد لكي يتجاوز سلبيات هذه الأقدار. فتفشي الفيروس التاجي لا يجب أن نعتقد أنه مؤامرة عالمية تقودها جماعات سرية، بل هو ابتلاء وقدر، علينا أن نتجاوزه بالعمل والاجتهاد، واتباع التعليمات التي تصدر عن الجهات المعنية التي تكافح المرض وتسعى للسيطرة عليه، وعلى الباحثين أن يعكفوا على ابتكار لقاح وعلاج لهذا المرض الجديد، لكن إذا ظللنا نبكي حظوظنا ونقتل أنفسنا ببطء من خلال خناجر الإحباط وسيوف اليأس فلن تقوم لنا قائمة، وستتفاقم أوضاعنا وسنترك المجال لمن يملك المعرفة والإرادة لكي يتفوق علينا، رغم أننا قادرون على التفوق.

فما أكثر المبادرات والمشروعات التي تولد من رحم الأزمة الحالية، كم من تطبيق إلكتروني ابتكره شباب مبدع؟ وهنا أتحدث عن وطني عمان وخارج عُمان فهي أزمة الإنسانية في النهاية، وكم من طبيب وباحث يسهرون ليل نهار من أجل التوصل إلى لقاح أو علاج؟

أعلم أنَّ هناك الملايين من البشر حول العالم تضرروا من كورونا، لكن المحنة شديدة وعالمية، وعلينا جميعا أن نتحلى بالصبر لتجاوز الأزمة، وباليقين بأن بعد العُسر يسرًا، فبدون الصير واليقين سنعاني من أزمات أشد وأقسى، أزمات نفسية، فقد يعاني البعض من اضطراب ما بعد الصدمة، أو يصاب الكثيرون بفوبيا المصافحة أو فوبيا العطس أو فوبيا السعال، وغيرها من المخاوف وحالات الرهاب المجتمعي.

من المؤكد أنَّني لا أنفي أن هناك من يستغل الأزمة الحالية، وربما ينفخ في نيرانها، من أجل مكاسب سياسية واقتصادية، بل واجتماعية؛ فالتغيير الديموغرافي في بعض المدن حول العالم ناتج عن تفشي الفيروس وليس شيء آخر، وثمَّة تحولات اجتماعية تحدث، بزيادة غنى البعض ممن يتربحون من المنتجات التي تضاعف إنتاجها عشرات المرات، وآخرون دخلوا في دائرة الفقر بعدما فقدوا وظائفهم أو انهارت شركاتهم واستثماراتهم.

إننا بحاجة إذن لنوع من التفكير الايجابي يحمينا من الوقوع في براثن نظرية المؤامرة، وعلينا ألا نسمح لمخالب هذه النظرية بأن تنهشنا، وأن نتحلى باليقين في أن الله الذي خلقنا سيمنحنا القدرة على تخطي الأزمة وتجاوز الصعاب، لكن بالعمل الجماعي وتضافر الجهود واتباع التعليمات.. حفظنا الله وإياكم.