التكنولوجيا سلاح فعال لمحاربة كورونا (3-3)

عبيدلي العبيدلي

ينظر البعض إلى الذكاء الاصطناعي كأحد أكثر فروع التقنية حضورا عند الحديث عن برامج وخطط مواجهة انتشار جائحة كورونا. في الوهلة الأولى، ربما يستغرب القارئ، من ذلك، نظرا لارتباط الذكاء الاصطناعي في ذهنه، وكما يرد على موقع (geekwire.com)، بمخاوفه من اختراق "الخصوصية في مجالات مثل التعرف على الوجه ومقاطع الفيديو المزيفة العميقة". لكن وكما ينبه ذلك الموقع أنه "في خضم تفشي الفيروس التاجي الجديد، يتطلع بعض شركات التكنولوجيا والعلماء إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على تأثير إيجابي بدلاً من ذلك".

هذا ما يؤكده أيضا الرئيس التنفيذي لمعهد ألين للذكاء الاصطناعي في سياتل وأستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة واشنطن أورين إتزيوني، على الموقع ذاته، حين يقول: "لكن هذه الأزمة (جائحة كورونا) تُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل عالمًا جيدًا".

وهناك العديد من التعريفات للذكاء الاصطناعي، الذي غالبا ما يرمز له بالحرفين (A I)، لكنها جميعا تتمحور حول وظائف معينة، يمكن وصفها كما جاء في تعريف موقع "موضوع.كوم" (https://mawdoo3.com) هي "قدرة الآلات والحواسيب الرقميّة على القيام بمهام مُعينة تُحاكي وتُشابه تلك التي تقوم بها الكائنات الذكيّة؛ كالقدرة على التفكير أو التعلُم من التجارب السابقة أو غيرها من العمليات الأُخرى التي تتطلب عمليات ذهنية، كما يهدف الذكاء الاصطناعي إلى الوصول إلى أنظمة تتمتع بالذكاء وتتصرف على النحو الذي يتصرف به البشر من حيث التعلُم والفهم، بحيث تُقدم تلك الأنظمة لمُستخدميها خدمات مُختلفة من التعليم والإرشاد والتفاعل".

 ويبدو أن النتائج التي توفرها الخوارزميات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، هي التي دقت نواقيس الخطر بشأن احتمال تفشي وباء جديد في مدينة وهان الصينية، في وقت مبكر نسبيا. لكن ذلك التحذير لم يجد الآذان الصاغية. هذا ما قامت به شركة (Blue Dot) الكندية الناشئة، في منتصف شهر ديسمبر 2019، "من خلال تحليل مسارات المسافرين ومسارات الطيران".  كما جاء على موقع مجلة (FORBES) الأمريكية.

موقع متخصص في القضايا العصبية (Neural) ينقل ما توصل له خبراء يعملون في شركة (Javion) المتخصصة في الذكاء الاصطناعي السريري، في هذا المجال؛ حيث "يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الذي سيُعلم استراتيجيات الاستعداد لـ(COVID-19)، ويساعد المستشفيات على اتخاذ نهج استباقي لإدارة مجموعات المرضى في المرضى الداخليين والخارجيين. وتستخدم (Javion) خوارزميات التعلم الآلي لتحديد عوامل الخطر الاجتماعية التي تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالفيروس ونشره أو الإصابة بعدوى تتطلب دخول المستشفى".

وفي مطلع شهر أبريل 2020، نقل موقع "العربي الجديد" الإلكتروني ما أعلنه "باحثون أمريكيون وصينيون عن ابتكارهم أداة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوقع المرضى المصابين بفيروس كورونا الجديد الذين سيعانون مضاعفات رئوية خطيرة". ونشر ما قالته ميجن كوفي من كلية غروسمان للطبّ في جامعة نيويورك، لمجلّة "كومبيوترز ماتيريلز آند كونتيوا"، بأن "من شأن هذه الأداة تمكين الأطباء من أعطاء الأولوية لعلاج بعض المرضى، خصوصاً أنّ الأنظمة الصحية العالمية لبلدان عدة حول العالم استنفدت قدرتها الاستيعابية... ورصدت الأداة الكثير من المؤشّرات التي تفترض أنّ المريض قد يصاب بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادّة، وهي من المضاعفات الناجمة عن (كوفيد-19)، والتي تملأ الرئتين بالسوائل، وتقتل 50 % من الأشخاص الذين يصابون بها".

وفي الصين ذاتها، وكما جاء على موقع "فضائية الحرة"، فإن شركة (علي بابا) الصينية العملاقة قد أطلقت نظام Alipay Health Code"، الذي يعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي أيضا، وفي وسعه أن يكشف كورونا في 20 ثانية، فيما يحتاج البشر 15 دقيقة لتشخيص المرض. و(يسمح هذا التطبيق) برصد فيروس كورونا في الأشعة المقطعية لصدور المرضى بدقة تصل إلى 96 بالمئة، بحسب تقرير موقع (ذا نكست ويب) الأميركي. وقد تم تصميم النظام بالاعتماد على بيانات وصور لخمسة آلاف حالة أصيبت بكورونا، وتم اختبارها في المستشفيات في مختلف أنحاء الصين".

شبكة "النبأ" بدورها، نشرت على موقعها الإلكتروني، مقالا تفصيليا مطولا حول موضوع الذكاء الاصطناعي وإمكانية الاستعانة به لمواجهته لفيروس كورونا، أشارت فيه إلى أنه "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تسريع العملية. حيث أعلن مختبر DeepMind لأبحاث الذكاء الاصطناعي -الذي استحوذت عليه جوجل في العام 2014- أنه استخدم التعلم العميق للعثور على معلومات جديدة حول بنية البروتينات المرتبطة بفيروس COVID-19، (مضيفة أنه) يُمكن الوصول إلى أدلة مهمة لصيغة لقاح فعال من خلال فهم تراكيب بروتين الفيروس، ويعتبر مختبر DeepMind واحدًا من العديد من المنظمات التي تشارك في السباق لإيجاد لقاح فعال لفيروس كورونا. كما أعلنت شركة IBM عن مبادرة لزيادة الوصول إلى الحوسبة العالية الأداء، أو ما يُسمى بالحوسبة الفائقة السرعة Supercomputers للمجموعات البحثية التي تعمل على إيجاد لقاح لفيروس كورونا المستجد. وقد استخدم الباحثون الحاسب العملاق التابع للشركة المُعروف باسم "سومت (Summit) لفحص 8 آلاف مركب هي أكثر احتمالًا أن ترتبط بالبروتين الرئيسي في فيروس كورونا وتجعله غير قادر على الالتصاق بالخلايا المضيفة في جسم الإنسان، وقد حددوا 77 مركبًا يمكن الآن اختبارها تجريبيًا بهدف تطوير لقاح فعال للفيروس".

ولعل ما تجدر الإشارة إليه هنا، في سياق الحديث عن الذكاء الاصطناعي، بشكل عام، وليس في نطاق دوره في التصدي لجائحة كورونا فحسب، ما جاء في موقع "اليوم السابع" الإلكتروني نقلا عن دراسة حديثة، أجراها باحثون من جامعتي أوكسفورد البريطانية ويل الأمريكية، بأن "هناك مؤشرات ... تدل على أن هناك احتمالا بنسبة 50 % بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشرى في جميع المجالات في غضون 45 عاما، وأن يكون قادرا على تولى كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عاما، ولا تستبعد نتائج هذه الدراسة أن يحدث ذلك قبل هذا التاريخ".

الأهم من كل ذلك، وكما جاء على موقع "العين الإلكتروني"، لم تستطع الصين تطويق ذلك الوباء والسيطرة عليه لو لم يكن بحوزتها "مجموعة ضخمة من البيانات حول مواطنيها في جميع أنحاء البلاد، حيث تستخدمها في بناء أدوات تُمكنها بسهولة من تعقب الأشخاص الذين سافروا في الفترة الأخيرة إلى مدينة ووهان الصينية التي ظهر فيها الفيروس".

في اختصار.. تتضافر كفاءة سرعة الاتصال، مع البيانات الضخمة سوية مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي، كي تضع بين يدي الإنسان، بوسعها، متى ما استخدمت في الميادين الصحيحة، ومن بينها مكافحة جائحة كورونا، أن تساعد الإنسان على أعدائه، بدلا من أن يستخدمها الإنسان ضد أخيه الإنسان!