فايزة سويلم الكلبانية
faiza@alroya.info
(1)
"وهذه فايزة الكلبانية".. كانت هذه العبارة الأولى التي نَاداني بها معالي عبدالعزيز الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، عندما التقيتُه مُباشرة في مكتبه بمدينة الإعلام، وكان ذلك في فبراير الماضي بصحبة المكرَّم حاتم الطائي رئيس التحرير.
عبارة رُبما تكُون عادية وتلقائية، وتحدُث في مواقف إنسانية عديدة، لكنها بالنسبة لي كان لها وقع خاص؛ إذ بثَّت في نفسي مشاعر من الاعتزاز والفخر والسعادة، كنت أردد في داخلي: "معالي المستشار طلع يعرفني.. يعني يقرأ مقالاتي وتحقيقاتي وحواراتي الصحفية.. كم أنا محظوظة بهذا التشريف".
وعلى الرَّغم من أنَّ ذلك اللقاء لم يكن الأول مع معاليه، إلا أن هذه المقابلة ستظل محفورة في وجداني وذاكرتي. فقد تشرَّفت أول مرة بمقابلة معالي الإعلامي المثقف والمبدع في خريف 2017 أثناء رعايته حفل تكريم الفائزين بأوسكار الإعلام العربي السياحي، ضمن فعاليات مهرجان خريف صلالة في ذلك العام. وقتذاك قضيت مع الإعلاميين أعضاء المركز العربي للإعلام السياحي وقتا ثمينا في ضيافته الاستثنائية، لمدة يوم كامل، اجتمعنا في رحاب ضيافته الكريمة، نستنشق نسيم البحر وننعم برؤية اخضرار السهول والجبال، فيما يتساقط علينا رذاذ الخريف، وقد حظينا بحفاوة الاستقبال، وكان أبرز ما لاحظته ما يتحلى به معاليه من ثقافة موسوعية وأدب جم وخلق رفيع، وما لبث اللقاء أن تطرق إلى العديد من القضايا مع الحضور، حتى انتهى وعاد كل واحد منا إلى حيث كان، لكن ظلت تفاصيل اللقاء حاضرة في الذاكرة والوعي، وستظل.
(2)
"شكرا.. معاليكم" على ذاك اللقاء الأخير قبل أسابيع، خاصة وأنَّه جاء في فترة كانت عُمان ترتدي ثوب الحزن والحداد على وفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- وقد رأيتُ ملامح الحزن جلية في عينيكم، ونبرة صوتكم الحزينة المتألمة على الفقد العظيم لأعز الرجال وأنقاهم. كيف لا وقد اعتدتم على أن تكونوا على تواصل مباشر مع السلطان الراحل، مشاركا معه تفاصيل لم تُتح للكثيرين غيركم نتيجة طبيعة عملكم. ولا أنسى سرده بكل معاني الفخر والاعتزاز والإشادة بحكمة جلالة السلطان الراحل في العديد من المواقف؛ ومنها على سبيل المثال: تصرُّف جلالة السلطان الراحل الحكيم ردًّا على ما نشرته إحدى القنوات الفضائية أثناء فترة أحداث 2011، تفيد بوجود حالة وفيات في المظاهرات؛ إذ قال جلالة السلطان قابوس آنذاك: "أخبروهم بأنْ يحضروا كاميرات التصوير، وليسارعوا بتصوير مجالس العزاء ليكملوا صحة خبرهم إنْ كان صحيحا، وإن كنتم صادقين فيما أعلنتم عبر شريطكم الإخباري"، وهنا كان الرد سريعًا من قبل الوسيلة الإعلامية التي تراجعت عن الخبر واعترفوا بعدم صحته.
(3)
لا شكَّ أنَّ الواجبَ يحتم علي اليوم أن يخط مداد قلمي هذه السطور عبر زاويتي الأسبوعية، ليكون جزءا ولو صغيرا من رد الجميل والاعتراف الكبير بمنجزات هذه القامة الإعلامية وصاحب العمق الثقافي؛ فمعاليه من أوائل المؤسسين للإعلام العماني، كرَّس مسيرة عقود مضيئة من حياته العملية في خدمة الوطن، تدرج خلالها في العديد من المناصب؛ من أهمها: وزير الإعلام لسنوات عدة، ثم عينه المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- مستشارا خاصا لجلالته للشؤون الثقافية.
ومن الإنجازات المشرفة في مسيرة معاليه أنَّه عكف مع فريق مكتبه على إدارة وتطوير العديد من المواقع والمشروعات الأثرية والتاريخية والثقافية. فـ"شكرا معالي عبدالعزيز الرواس"، على عطائكم اللامحدود، وتواضعكم الأبوي الجميل.. ونصحكم القويم.. ورسائلكم التي تبثونها للجميع من بعيد أو قريب.
(4)
في ذلك اللقاء الأخير، كانت المسودة الأولى من "موسوعة تاريخ عمان عبر الزمان" على طاولة معاليه، مغطاة بغطاء مخملي أحمر، في جُعبتها مجلدات تلك الموسوعة الضخمة، ينقصها آنذاك مجلد واحد أخير في طور طباعته؛ حيث كان يقول معالي المستشار: "أنا وفريق العمل بالمكتب نحرص كل الحرص على تدشين الموسوعة في معرض مسقط الدولي للكتاب هذا العام، مسابقين الزمن، فقط لتلبية رغبة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي أشرف على كامل تفاصيل الموسوعة من صور ولوحات ورسوم تشكيلية وتصميم للغلاف والمحتوى والألوان، واعتمد كل سطر من سطورها"، مؤكدا أن جلالته "كان دقيقا وحريصا على الاطلاع والإشراف على كافة التفاصيل، لكن للأسف لم تشأ الأقدار أنْ يُدشنها قبل وفاته، واليوم نحقق لأجله -رحمه الله- ذلك بأسرع ما يمكن.. وكان له ذلك وحق القول".
ومن منجزات معاليه أيضا: أن مكتب معاليه أشرف على تنفيذ العرض المرئي لــ"حركة الإنسان على أرض عمان"، والذي أقيم في متنزه سمهرم الأثري بمحافظة ظفار، والذي كان له الدور البارز في إثراء السياحة الأثرية والثقافية بالسلطنة، فضلا عن بصمات معاليه المضيئة في تطوير "متنزه حصن سلوت الأثري" بولاية بهلا بمحافظة الداخلية أحد أهم المواقع الأثرية في الجزيرة العربية.
وختاما.. استمتعتُ في لقائي الأخير مع معاليه، وكنت أود أن نطيل الجلسة قليلا، لننصت إلى الكثير من المواقف والحكايات، لكن عقارب الساعة كانت أسرع منا ولم تمهلنا الكثير، فوجدنا أنفسنا نردد: "شكرا معالي عبدالعزيز الرواس" على مسيرة العطاء المستمر لعمان، ودمتم ذخرا للوطن.