إعفاء المستأجر من سداد الأجرة

ياسر بن عبدالله السناني

* محامٍ ومستشار قانوني

احتدَم النقاش في الآونة الأخيرة حول مدى قانونية إعفاء المستأجر من سداد الأجرة المُستحَقة في ظل إيقاف مؤقت لأنشطتهم التجارية؛ بسبب الظروف الراهنة... وحول هذا الموضوع فقد نصّت المادة (159) من قانون المعاملات المدنية: "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وقت التعاقد وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يُصبح مستحيلًا، صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للمحكمة، تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلًا كل اتفاق على خلاف ذلك). وعليه، نعتقد أن الظروف الراهنة تعتبر من الظروف الاستثنائية التي لم تتسبب في حدوث قوة قاهرة تؤدي إلى هلاك الشيء المعقود عليه، ولم تصل إلى درجةٍ تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا، ولما كانت هذه الظروف خارجة عن إرادة طرفي عقد الإيجار؛ فإننا نعتقد أنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي وازنت بين المصلحتين وردت الالتزام إلى الحد المعقول، على اعتبار أنها ظروف لم يتسبب طرفي عقد الإيجار في فوات المنفعة المَعقود عليها.

وفيما يتعلق بالمادة (550) من قانون المعاملات المدنية، فإننا نعتقد بأن هذه المادة لا يتصور أن تكون محل تطبيق؛ فالمادة نصت على أنه: (1- إذا صدر عن السلطات المختصة ما يمنع الانتفاع الكلي بالشيء المؤجر دون سبب من المستأجر تنفسخ الإجارة، وتسقط الأجرة من وقت المنع. 2- إذا كان المنع يُخل بالشيء بصورةٍ تؤثر جزئيًا في استيفاء المنفعة المقصودة فللمستأجر فسخ العقد وتسقط عنه الأجرة من وقت إعلام المؤجر).

ووفقًا لهذا النص، فإنَّ القول بتخيير المستأجر إما بدفع الأجرة أو سقوطها وفسخ العقد، فهذا القول من وجهةِ نظرنا قول غير سديد؛ فلا يستقيم في منطق العقلِ أن يتكبَّد المستأجر آلاف الريالات في سبيل تجهيز نشاطه التجاري، ثم ولظروفٍ استثنائية زمنية خارجة عن إرادة طرفي العقد، يُخيَّر على أثرها المستأجر إما بدفع الأجرة التي لم يقابلها انتفاع، أو أن تسقط الأجرة وينفسخ العقد. فهذا القول نعتقد أنه يرهق المستأجر أكثر من الجائحة ذاتها، لاسيَّما وأن التفرقة بين فوات المنفعة ومنعها يرتب أثرًا قانونيًا.

ونرى أنَّ صحيح تفسير المادة القانونية وفقًا للنص، إذا كان الأمر الصادر عن السلطات يمنع الانتفاع الكلي ينفسخ عقد الإيجار بقوة القانون ومثال على ذلك: إذا استأجر المستأجر مدرسة للأطفال، وكانت هذه المدرسة بالقرب من أحد المصانع البلاستيكية، وصدر أمرٌ للمُستأجر بمنعه من مزاولة النشاط التعليمي في هذا الموقع؛ حيث إن الموقع قد يُلحق الضرر بالأطفال؛ ففي هذه الحالة ينفسخ العقد بقوة القانون وتسقط الأجرة.

أما إذا ترتب على المَنع انتقاص منفعة العين المؤجرة، كالمنع من الاستغلال والانتفاع من مساحة معينة في المدرسة، كما هو مُوضح في المثال السابق؛ ففي هذه الحالة يكون المستأجر مخيرًا بين أمرين؛ إما أن يطلب فسخ عقد الإيجار؛ لانتقاص المنفعة أو أن يستمر في العلاقة الإيجارية، وعليه تكون هذه المادة ليست محل تطبيق.

وعن التساؤل الذي أُثير حول عدم سقوط الأجرة استنادًا لحيازة العين المؤجرة ووضع اليد عليها، فإن هذا القول في اعتقدنا لا يسنده الدليل القانوني، ذلك أنَّ المقرر قانونًا أن الأجرة مقابل المنفعة، كما أن الإجارة ترد أساسًا على المنفعة وليست على العين المؤجرة فقط، إذ لا يتصور منفعة دون حيازة للعين المؤجرة؛ فالحيازة أصلًا جزءٌ لا يتجزأ من المنفعة؛ وبالتالي لا يمكننا أن نعتبر الحيازة لوحدها معيارًا لاستحقاق الأجرة، وهذا ما أكده نص المادة (523) من قانون المعاملات المدنية: "تُستحَقُ الأجرةُ باستيفاء المنفعة، أو بالقدرة على استيفائها"، ونصت المادة (549) من ذات القانون: "1- إذا فات الانتفاع بالشيء المؤجر كله، سقطت الأجرة عن المستأجر مدة فوات المنفعة، وينفسخ الإيجار بالهلاك الكلي للشيء المؤجر. 2- إذا كان فوات المنفعة جزئيًا وبصورة تؤثر في استيفاء المنفعة المقصودة، كان للمستأجر فسخ العقد، وتسقط الأجرة من تاريخ الفسخ". كما أكدت على هذا أيضا الفقرة الأولى من المادة (520) من ذات القانون: "يُشترط في  المنفعة المعقود عليها: أن تكون مقدورًا على استيفائها..."، والواضح أن المُشرع ربط بين استحقاق المؤجر للأجرة، وبين استيفاء المنفعة أو بالقدرة على استيفائها؛ بحيث تتوافر لدى المستأجر القدرة على جَني ثمار المنفعة من العين المؤجرة، وعليه لا تعني المنفعة أن يتمكن المستأجر من حيازة العين المؤجرة، أو وضع مستلزمات النشاط فيها؛ فكما قلنا بأن الأجرة ترد أساسًا على المنفعة لا على العين المؤجرة فقط، إذ إن المقرر قضاء أن الأجرة مقابل المنفعة.

تعليق عبر الفيس بوك