د. خالد بن علي الخوالدي
Khalid1330@hotmail.com
عندما يتعلق الأمر بعُمان وأمنها ونسيجها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، علينا أنْ نقف صفًّا واحدًا بوطنية خالصة وصادقة، والوطنية ليست قَلقلة باللسان في وقت الراحة وعلى السرير الوافر المنعم ووراء شاشة هاتف أحدنا، بل الوطنية فعل وممارسة واستماع وبُعد نظر.. الوطنية أن نُحافظ على أرواح أبناء هذا الوطن، وترابه، ومقدساته، وتراثه، وثقافته، وسيادته.. الوطنية أن نكون يدًا واحدة في مجابهة الأخطار والكوارث والحروب والأمراض الجائحة والفتاكة، ونحن الآن أمام اختبار حقيقي لهذه الوطنية في التلاحم والترابط والانصياع لمجابهة انتشار فيروس يفتك بالبشرية وينتشر بشكل سريع، وطلب منا بوطنية أنْ نمكُث في منازلنا حفاظا على أرواحنا وأرواح أبناء هذا الوطن، فهل نحن وطنيون ونستمع للتعليمات.
الأسبوع الماضي، كتبتُ مقالي بعنوان "الاستهتار مرفوض بشدة"، وكُنت أنطلق من منطلق وطني بحت وهو الحفاظ على النسيج الاجتماعي لهذا الوطن الغالي، والحفاظ على وضعه الاقتصادي من الانهيار، وهي مخاوف واقعية رُبما تقع إذا ما استمرَّت فئة من المستهترين يعبثون ويمرحون ويتحدون التعليمات والنداءات والاستغاثات التي تدعوهم لالتزام منازلهم والاستماع إلى الجديد فيما يخص هذه الجائحة التي حلت بالعالم كله، ومما يُؤسف له أن هذه الفئة مستمرة في عنادها ورفضها للتعليمات بأنانية محكمة وبعقول هَرِمة وأنفس سيطر عليها الهوى والأفكار السقيمة.
نعم، لا تزال هُناك فئات مُستهترة، فما نشاهده ونستمع إليه، يدعو للريبة والحزن والحسرة على حال هؤلاء، وما قد ينتج عن استهتارهم من آثار سلبية وخيمة على المجتمع والاقتصادي وعُمان بصورة عامة، ولا أجد أيَّ تفسير منطقي لفعلهم، ولا أسباب واقعية لتصرفهم؛ فمن يتصور أن هناك فئة تجتمع على لعب كرة القدم وسط هذه الهبَّة الحكومية والمجتمعية التي تنادي بضرورة الالتزام بالمكوث في المنازل؟! ومن يتخيَّل أن أبًا يحمل روح الأبوة وهو يتجوَّل بأبنائه الصغار في المجمعات التجارية للتسوق؟! ومن يُصدِّق أنَّ هناك من يُخالف التعليمات والقرارات ليدخِّن الشيشة في المقاهي والمزارع والبيوت المهجورة؟! ومن يُفسر لي تهافت الناس على الأسواق بصورة جماعية مخيفة؛ لدرجة أنَّ الحكومة قامت بغلق هذه الأسواق خوفا من تفشي المرض وسط هذه الجماعات التي تظنُّ أنها ستموت جوعا؟! ومن يُصدق أن فئة مُتعلمة جاءت من خارج البلد وعليها أن تمكث في الحجر المؤسسي والمنزلي لمدة أربعة عشر يوما، وتخالف كل التعليمات، وتضرب بها عرض الحائط في تحدٍّ صارخ لكل القيم الإنسانية الداعية لحفظ الروح الإنسانية، فهم قد يكونون حاملين لهذا المرض العضال، وينشرونه وسط المجتمع بتصرفاتهم غير المسؤولة؟! وهناك أمثلة كثيرة وأنواع متعددة للاستهتار لا يتَّسع المجال هنا لذكرها ويعرفها الصغير والكبير.
المصيبة الأكبر أنَّ أغلب المُستهترين للأسف من فئة الشباب، الفئة التي نَعقد عليها الآمال العظام لرفعة هذا الوطن العزيز، والتي ننتظرُ منها المُساهمة في بناء ورفعة عُمان، وتتَّجه إليها الأنظار ليكونوا قادة الوطن في المستقبل.
ومع هذا وذاك، لا يزال يحدونا الأمل في أن تعود هذه الفئة إلى رُشدها، وتعي المخاطر التي تُحيط بالوطن من جراء هذه الجائحة وطاعون العصر، وننظُر بتفاؤل كبير إلى أنهم سيعون خُطورة الاستهتار على أنفسهم وعوائلهم ومجتمعهم ووطنهم، وسيعلمون أنَّنا جميعا في سفينة واحدة إذا غرقت غرق من في هذه السفينة، وإذا نجت نجا من فيها، وسيضعون في حسبانهم أنَّ عُمان نسيج اجتماعي واحد علينا المحافظة عليه، وأنَّ الوطنية تُحتِّم علينا المحافظة على مُقدرات هذا الوطن وحماية اقتصاده من الانهيار... دُمتم ودامت عُمان بخير.