ناجي بن جمعة البلوشي
تعوَّدنا من الإعلام المرئي أن يضع صورة سوداء أو أخرى تتشابه هي والسراب، أو غيرها، كتلك التي تعود لظل صاحبها أو مشوَّهة بتأثيرات خاصة تَحُول بينها وبين كل من يظهر على ذلك اللقاء المتمثل في كشف الحقائق والبوح عن المخفي من الأحداث. وحيث إنَّ هذا في المرئي من الإعلام، فإنَّ الإعلام المسموع لديه طرق مُختلفة؛ من بينها: إذاعة الخبر ولصقه بجهة لم تكشف عن هُويتها، أو شخصية رفيعة المستوى، أو مصادر مُطلعة، أو غيرها من أساليب احترافية إعلامية.
وإذا كانت تلك طرق الإعلامين السابقين؛ فالإعلام المقروء كذلك له طرقه الخاصة في طمس تلك الشخصيات من المعرفة الحقيقية عند المتابع؛ فوضع حرف من اسمه وحرف من الاسم التالي لاسمه وحرف من اسم شهرته أو قبيلته، أو وضع عمره بعد حرفين، أو غيرها من الطرق التي تحول بين المتابع وبين الخبر والحدث.
هذه الطرق التي في حقيقتها صناعة مُحترفة لوضع لمسات اللهفة عند المتابع لتلك الأخبار والمهتم بتلك الحقائق، كما أنها الطريقة المثلى لبيع وتسويق ما هو غير منطقي أو حقيقي؛ لذلك سيكون حالها اليوم في وقت الأزمة الحقيقة والجائحة الكبرى ليس منطقيا ألبتة؛ أو على الأقل من وجهة نظري البسيطة، فكل ما في الأمر أنَّ المرض أمسى يفتك بالكل، لنجد أنفسنا مُخالطين لشخصية بها داء كورونا ونحن لا نعلم عنها شيئا، كي نتوجه إلى المصحات والمراكز الصحية قبل فوات الأوان، ويتم تسجيلنا من مرضى ذوي الحالات الحرجة؛ لأننا مختلفون فقط، نعم إننا مختلفون باختلاف مستوانا الصحي، فمنا من يحمل الأمراض المزمنة، ومنا من لا يملك المناعة القوية ومنا ومنا....، بل بهذا سنكون سببا في إدراجنا نحن التالي في نشر هذا الوباء بين أفراد المجتمع، فكيف بشخصية مريضة أصابها الوباء بقدر من الله عزَّ وجل أن تتدارك نشره بين أفراد الأسرة والمجتمع دون علمها به؛ لأن المرض مخفي لا مُدرك ولا يعرفه حامله أو مُعالجه إلا إذا ظهرت الأعراض فقط، وإذا ظهرت الأعراض يعني أن الإصابة مؤكدة، وهنا تبدأ الجهات المعنية بالتقصي الوبائي أو استدعاء المخالطين الذين في الواقع يصعُب على كل من أصيب بالمرض تذكُّرهم وتذكُّر أسماءهم وصورهم، وتذكُّر كل شيء من الزمان إلى المكان، وهنا لابد لنا أن نحتكم إلى منطق العقل والواقع الذي يحتم علينا السير في طريق الوقاية للجميع، دون أي تحسس أو استشكال من أي أحد؛ فكل ما علينا فعله هو الرجوع للشرع بالقاعدة التي تقول "عند الضرورات تباح المحظورات"، فقوله تعالى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة:173). لهذا؛ نرى أنَّ وضع ونشر صور وأسماء المصابين وعناوينهم ومكان إقامتهم والأماكن التي زاروها واجب ضروري، وهو الذي قد يكون في الأيام العادية جريمة يُعاقب عليها القانون؛ لأنها تشهير وإعلام أو أنها خبر لا يمتلك اللمسات الإنتاجية في صناعة الإعلام أو غيرها من العناوين والمسميات، لكن اليوم مع كل ما يعنيه اليوم من مشكلة عالمية ومحلية لا نجد إلا أن هذا الأمر أصبح ضروريا، ولا يمكن لنا أن نسميه تشهيرًا، بل هو الوقاية الحقيقية لتجنيب أفراد المجتمع العدوى ونقلها إلى الآخرين دون أي سبب مُتعمَّد، هذا لأن منطق العقوبات والسجن والغرامات لا يُمكن له إيقاف هذه الجائحة أو أن يُساعد في تفشِّي المرض لسبب أن هذا الوباء مخفي الانتقال، أما من علم بمرضه وأخفاه فهذا شأنٌ آخر يحق لجهات الاختصاص التعامل معه.
... إنَّ نشر المعلومات عن المريض يعني أنها ستساعدنا جميعا في التقدم لفحصنا عند جهات الاختصاص، أو عزل أنفسنا، أو التقدم للاستشارة الطبية بالوسائل التقنية الحديثة، كما أنها ستساعد الجهات المختصة في تعقيم المنطقة والأماكن التي زارها ذلك الشخص؛ فهذا الإعلام البريطاني يعلن عن إصابة الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة بهذا الداء، كما أن رئيس وزراء بريطانيا ووزير الصحة يُعلنان أنهما مريضان بنفس الداء أمام كل العالم؛ مما سيؤدي لبداية الفحص لكل من اختلط بهم جميعًا دون أي ضير أو مشكلة، بل على العكس فإن هذا الإعلان سيؤدي لسرعة معرفة المرضى من المخالطين قبل انتقال المرض إلى شريحة كبيرة من الناس، وبهذا الأسلوب يستوجب علينا العمل؛ لأننا نحتكم إلى ضروريات في هذا الوضع، فما منعنا من صلاة الجماعة وصلاة الجمعة إلا هذه الضرورات التي يجب أن تشمل كل باب يأتي منه سبب انتشار هذا الوباء بيننا.
حفظ الله عُمان، وحفظ جلالة السلطان، وحفظ أبناءها الأعزاء من كل مكروه، وليسامحني كل من تحسَّس من هذا المقال، وأخذه على محمل الخصوصيات؛ فكل ما أود أن أوصله أن سلامة الجميع فوق كل اعتبار.