حاتم الطائي
"فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا.. إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا"، هَكذا علمنا الخالق -جلَّ في عُلاه- أن مع كل عسر نمر به حتمًا سيتحقَّق اليسر، وسنصل إلى بر الأمان الذي ننشده جميعًا، وفي ظل اجيتاح فيروس كورونا للعالم من حولنا، وقد طَالنا ما طَالنا منه، بدا أنَّ الكثيرين أصابهم الإحباط واليأس مما يشهدُه العالم من مُجريات باتت تغيِّر المقادير، وأنَّ دولا عُظمى انهارت أمام مخلوق مشكوك أصلًا في أنَّه كائن حي أم لا!!
ونحنُ في السلطنة نُواجه تحديا مضاعفا في ظلِّ هذه الأزمة القائمة؛ إذ تسبَّبت أزمة تراجع أسعار النفط في فقداننا لما يقرُب من نصف إيراداتنا العامة، منذ أن بدأت الأسعار في الهبوط، ووصلت لمستويات دُنيا قياسية لا تكفِي حتى تكلفة إنتاج برميل واحد، هكذا فجأة انهارت سوق النفط؛ بسبب حروب اقتصادية عبثية نحن الذين ندفَع ثمنها. لكن في ظل هذه الأزمة المزدوجة: "كورونا" وأسعار النفط المتراجِعة، يبحث كلُّ واحد منا عن الأمل في نهاية النفق المظلم، تسعى كل مؤسسة لأن تستشرف مُستقبلا تزدهر فيه، وتستطيع أن تتجاوز التحديات، كما تنظُر كل دولة إلى الأمام للاسترشاد بالطريق الصحيح.
ولقد وَجدنا الأمل في التبرُّعات التي تم الإعلان عنها خلال الأيام القليلة الماضية؛ والتي تشرفتْ بتفضُّل حَضْرة صَاحِب الجَلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بالتبرُّع بمبلغ 10 ملايين ريال لدعم جُهود مكافحة فيروس كورونا، وهو ما تلاه المزيد من التبرعات من بنوك وشركات ومؤسسات وأفراد، والتي تجاوز إجماليها -بحسب المعلن عنه- 16 مليون ريال، وهو رقم مُبشر تمَّ جمعه فقط في أيام معدودة، والقادم سيكون أكبر بإذن الله.
هذه هي الطبيعة العُمانية المتضامنة مجتمعيًّا؛ فكلُّ هذه التبرعات ترجمة لروح التكافل في مُجتمعنا الذي يُؤمن بأهمية التراحم والتعاضد والتكاتف بين أفراده في الضراء قبل السَّراء، فكم من مبادرات تمَّ الإعلان عنها في أيام قليلة؛ فهناك فنادق أعلنت فتح أبوابها لاستقبال الخاضعين للعزل الصحي، وشركات تبرَّع موظفوها بجزء من راتبهم لصالح جُهود مكافحة كورونا، ومؤسسات قررت دعم الأسر المتضررة من الأوضاع الحالية، والكثير والكثير مما لا يتسع المقال لذكره، أو لم يصل خبرُه إلى وسائل الإعلام، ولم تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي. فهناك من أصحاب الأيادي البيضاء من يُنفقون بيمينهم ما لا تعلم يسارهم، وهؤلاء جند مجهُولون لا نعلمهم، لكن بصماتهم جلية في المجتمع، لاسيما بين الأسر الأشد احتياجا في أوقات الأزمات.
أفرادُ المجتمع يرفعون الآن لواء التلاحُم الوطني، في مشهد يُذكِّرنا بأحداث سابقة شهدت فيها بلادنا أنواءً مناخية ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد والبنية الأساسية، وفقدنا خلالها أيضا أرواحا، لكننا انتصرنا بالصبر والتكاتف، انتصرنا بالإرادة الوطنية والعزيمة الصادقة على تجاوز التحدي، تغلَّبنا على أنفسنا، وبذلنا الغالي والنفيس من أجل أن تمضي سفينة الوطن ترفع أشرعتها في سماء التقدم والازدهار.
... إنَّ علينا كعُمانيين أن نؤمن إيمانًا صادقا متينا بأنَّ الغمة ستزول، وأن الكرب سينفرج، وأن الوباء سينصرف عنا، بإرادتنا والتزامنا بما تُصدره الجهات المعنية من قرارات وإجراءات احترازية تُسهم في تحقيق التباعد الاجتماعي، وتقلِّل مخاطر الاختلاط بين الأفراد؛ وذلك وفق إستراتيجية رشيدة تعمل عليها اللجنة العُليا لمتابعة تطورات فيروس كورونا ووزارة الصحة، والتي تستهدفُ تسطيح منحنى الحالات المُصابة، وهو بالفعل ما حققناه -ولله الحمد والمنة- حتى الآن، وسنتمكَّن بإذن الله -وبدعم الجميع من مواطنين ومقيمين- من أن نُطبق هذه الاحترازات، وسينجح مُجتمعنا بالتماسك في مُواجهة الأزمة، لأننا أمة مُتراحمة ومجتمع مترابط ومتضامن ومتكافل اجتماعيا.